السؤال
سؤالي هو: في ليلة الدخلة كان من المتوقع أن تنزل لي الدورة الشهرية، وفعلا نزلت بس كان بعض القطرات ولكن زوجي لم يصدقني فعاشرني في ذلك اليوم، وقد نزلت الدورة الشهرية في نفس اليوم عصرا، فما الحكم الشرعي في ذلك، وهل يجب علي التكفير، أفيدوني أفادكم الله؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن وطء الحائض في الفرج من المحرمات العظيمة، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين {البقرة:222}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنا فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وفيه ضرر على الزوج والولد، قال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله في التحفة: ذكروا أن الجماع في الحيض يورث علة مؤلمة جدا للمجامع وجذام الولد. والعاقل لا يعرض نفسه لسخط الله وضرر نفسه وذريته.
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: فاعلم أن مباشرة الحائض أقسام: أحدها: أن يباشرها بالجماع في الفرج، فهذا حرام بإجماع المسلمين. بنص القرآن العزيز والسنة الصحيحة، قال أصحابنا: ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافرا مرتدا، ولو فعله إنسان غير معتقد حله، فإن كان ناسيا أو جاهلا بوجود الحيض، أو جاهلا بتحريمه، أو مكرها، فلا إثم عليه، ولا كفارة، وإن وطئها عامدا عالما بالحيض والتحريم، مختارا فقد ارتكب معصية كبيرة، نص الشافعي على أنها كبيرة، وتجب عليه التوبة، وفي وجوب الكفارة قولان للشافعي، أصحهما وهو الجديد، وقول مالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين وجماهير السلف: أنه لا كفارة عليه، وممن ذهب إليه من السلف: عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأبو الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري والليث بن سعد رحمهم الله تعالى أجمعين، والقول الثاني وهو القديم الضعيف: أنه يجب عليه الكفارة، وهو مروي عن ابن عباس والحسن البصري، وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعي وإسحاق، وأحمد في الرواية الثانية عنه، واختلف هؤلاء في الكفارة، فقال الحسن وسعيد: عتق رقبة. وقال الباقون: دينار أو نصف دينار، على اختلاف منهم في الحال الذي يجب فيه الدينار ونصف الدينار، هل الدينار في أول الدم ونصفه في آخره؟ أو الدينار في زمن الدم، ونصفه بعد انقطاعه؟ وتعلقوا بحديث ابن عباس المرفوع: من أتى امرأته وهي حائض، فليتصدق بدينار أو نصف دينار. وهو حديث ضعيف باتفاق الحفاظ، فالصواب أن لا كفارة.
وقال في شرح المجموع: لو أراد الزوج أو السيد الوطء فقالت: أنا حائض، فإن لم يمكن صدقها لم يلتفت إليها وجاز الوطء، وإن أمكن صدقها، ولم يتهمها بالكذب حرم الوطء، وإن أمكن الصدق، ولكن كذبها، فقال القاضي حسين في تعليقه وفتاويه وصاحب التتمة: يحل الوطء، لأنها ربما عاندته ومنعت حقه، ولأن الأصل عدم التحريم ولم يثبت سببه. وقال الشاشي: ينبغي أن يحرم وإن كانت فاسقة، كما لو علق طلاقها على حيضها فيقبل قولها، والمذهب الأول. أي الجواز بالنسبة إلى الزوج، أما بالنسبة إلى الزوجة فلا يجوز لها تمكينه إلا إذا أكرهها على ذلك لأنها تعلم يقينا أنها حائض ولو مكنته بدون ممانعة، فإنها تكون آثمة وعليها أن تتوب إلى الله تعالى ولا تلزمها كفارة، كما سبق ولكن تستحب للرجل.
قال الخطيب الشربيني في الإقناع: ويسن للواطئ المتعمد المختار العالم بالتحريم في أول الدم وقوته التصدق بمثقال إسلامي من الذهب الخالص، وفي آخر الدم وضعفه بنصف مثقال لخبر: إذا واقع الرجل أهله وهي حائض إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار. رواه أبو داود والحاكم وصححه. انتهى.
والله أعلم.