0 466

السؤال

قال الله تعالى "من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادى له " و بناء عليه فإننا مهما التزمنا فلن نهتدى إلا إذا أراد الله . فلماذا نحاسب على ما ليس لنا فيه تصرف؟ . و بما أننا خلقنا على قدرات و نفوس مختلفة فكيف لى أن أطلب من سيارة أقصى سرعة لها 200 أن تتساوى مع سيارة سرعتها 500 . فما دمنا لسنا مثل بعض فى القدرات فلماذا الواجبات واحدة.و ما دامت القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء . فالناتج أن الأمر كله ليس لنا شأن به . فربما أكون ملتزما و أعمل كل الواجبات ثم يقلب الله قلبى فانقلب دون ذنب منى؟ . أرجو الأفادة بالأدلة و المنطقيات وجزاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فالواجب على المسلم أن يعتقد أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار، ويحكم لا معقب ‏لحكمه، كما قال: ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ).[الأنبياء:23]‏
والله عز وجل عدل لا يظلم أحدا من خلقه مثقال ذرة ( وما ربك بظلام للعبيد ) ‏‏[فصلت:46] (إن الله لا يظلم مثقال ذرة ).[النساء:40]‏
وأن يعتقد أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، كما قال سبحانه وتعالى: ( من يهد ‏الله فهو المهتدي، ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) [الأعراف: 187] وقوله تعالى: ‏‏(ومن يضلل فلا هادي له) [الأعراف:168] وغير ذلك من الآيات. لكن الله سبحانه ‏وتعالى لا يحاسب العبد إلا على فعله وكسبه وتصرفه. فقد أعطاه عقلا وسمعا وإدراكا ‏وإرادة ليعرف الخير من الشر، والضار من النافع، قال تعالى: ( لمن شاء منكم أن يستقيم) ‏‏[التكوير:28] وقال: سبحانه: ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) ‏‏[الشمس:9-10] ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) [الإنسان:3] وبذلك ‏تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي، واستحق الثواب على الطاعة، والعقاب ‏على المعصية.‏
فقولك (فلماذا نحاسب على ما ليس لنا فيه تصرف) خطأ ظاهر، فإن كل عاقل يدرك أنه ‏فاعل بالاختيار، يأتي المعصية باختياره وإرادته ، كما يقوم بالطاعة بإرادته واختياره، وعلم ‏الله السابق بحال هذا الإنسان ومصيره لا يعني أن الإنسان مجبور على سلوك طريق معين، ‏بل قد جعل الله له الاختيار. ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).[الكهف:29]‏
وأما قولك ( وبما أننا خلقنا على قدرات ونفوس مختلفة….فلماذا الواجبات واحدة).‏
فجوابه: أن الشريعة لا تساوي بين الناس في التكاليف والواجبات، فأهل الأعذار لهم من ‏الأحكام ما يناسبهم، كما أن لأهل القدرة ما يناسبهم،ولهذا شرع التيمم، والمسح على ‏الخفين، وقصر الصلاة، والصلاة قاعدا ومستلقيا، والفطر في الصوم، والحج عن الغير، وغير ‏ذلك من الأحكام المعلومة التي تراعي حال الكبير والمريض والعاجز.‏
وأما الفروق الحاصلة بين الناس في الهمة والإرادة والعزيمة، فهذه راجعة إليهم، وهم ‏مطالبون بترقيتها وتنميتها، ويتفضل الله على من يشاء من عباده بمزيد إحسانه وتوفيقه، لا ‏سيما لمن أقبل عليه وأخذ بأسباب الهداية قال تعالى: ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) ‏‏[مريم:76] وقال سبحانه: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).[العنكبوت:69]‏
وأما قولك ( وما دامت القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فالناتج ‏أن الأمر ليس لنا فيه شأن به) جوابه: أنك مطالب بالعمل الذي هو راجع لاختيارك ‏وإرادتك - كما سبق- ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حيث قالوا: فيم ‏العمل؟ " عملوا فكل ميسر لما خلقه" متفق عليه.‏
فلا أعجب في هذا الإنسان الذي يدع ما أمر به، وهو في مقدرته، ويجادل في شيء غائب ‏عنه، لم يطلب منه البحث فيه، وهو يرى الناس من حوله يجتهدون ويحصلون ويفوزون ‏بالدرجات.‏
وقولك ( فربما أكون ملتزما وأعمل كل الواجبات ثم يقلب الله قلبي، فأنقلب دون ذنب ‏منى) فإن الله تعالى ( لا يضيع أجر من أحسن عملا ) وما هو بظلام للعبيد، وهو يحب ‏المحسنين، وهو عند ظن عبده به، وهو أرحم بعبده من الوالدة بولدها.‏
ولهذا تكون سوء الخاتمة -عياذا بالله من ذلك- لأهل التفريط والتقصير، أو لأهل الاجتهاد ‏المدخول الذي صاحبه رياء وسمعة، فهو محسن فيما يبدو للناس، لكن الله أعلم بنيته وقلبه.‏
فالواجب على السائل أن يحسن الظن بالله تعالى، وأن يعلم أن الله لا يظلم مثقال ذرة، ‏وأنه هو الغفور الرحيم الكريم الجواد، يسبغ على عباده ألوان النعم رغم تقصيرهم ‏وعصيانهم، بل مع كفرهم وطغيانهم.‏
وعليك أن تشتغل بما ينفعك، وأن تدأب في تحصيل الطاعة لتفوز مع الفائزين، فإن اليوم ‏عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، وكن متشبها بأصحاب النبي صلى الله عليه ‏وسلم ورضي الله عنهم، لم يكن معرفتهم بالقدر وسبق القلم، وآيات الهداية والإضلال ‏موجبا لقعودهم عن الأعمال، بل دفهم ذلك إلى بذل ما في وسعهم رضي الله عنهم، ‏فهنيئا لهم، ونسأل الله أن يلحقنا وإياك بهم، وأن يدخلنا في زمرتهم.‏
والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة