السؤال
يقو ل الله تعلى في كتابه العزيز الحكيم {إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء} و يقول {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} ويقول النبي الكريم " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" إلى آخر الحديث...هل معنى هذا أن الهداية مكتسبة أم تأتي بالجهد؟و جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العبد لا يملك أن يستقل بهداية نفسه إلا بتوفيق الله عز وجل، إلا أنه بعد هذا التوفيق من الله سبحانه وتعالى ينفعه اجتهاده في فعل الطاعات واجتناب المعاصي، وهذا هو معنى قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) (العنكبوت:69) أي: لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير والرشاد، وهذا المعنى مبينا في آيات أخر، كقوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) (محمد:17)
وقوله تعالى: (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون) (التوبة:124)
والهدى يستعمل في القرآن استعمالين: أحدهما عام، والثاني خاص، فأما الهدى العام فمعناه: إبانة طريق الحق وإيضاح الحجة سواء سلكها المبين له أم لا، ومنه بهذا المعنى، قوله تعالى: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون) (فصلت:17) أي بينا لهم طريق الحق، ومنه قوله تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) (الانسان:3) وأما الهدى الخاص فهو: تفضل الله على العبد بالتوفيق، ومنه بهذا المعنى، (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين) (الأنعام:90)
وقوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) (الأنعام:125) وبهذا يرتفع الإشكال بين قوله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) (القصص:56)
مع قوله (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الأيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) (الشورى:52)
لأن هدى الناس المنفي عنه صلى الله عليه وسلم هو الهدى الخاص لأن التوفيق بيد الله وحده، وإلى هذين المعنيين ترد كل الأعمال المسندة إلى العبد، فإن المهتدي هو من هداه، الله وبهدي الله اهتدى، وبإرادة الله تعالى كان ذلك، لا أنه مستقل بالهدى، ولا تعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة ……"الحديث، وبين الآيتين اللتين في نص السؤال، لأنه معنى الفطرة المذكورة في الحديث هي ما أخذ عليهم في أصلاب آبائهم، وأن الولادة تقع عليها حتى يحصل التغيير بالأبوين، وقد تقدم الكلام في الجمع بين الآيتين.
والله أعلم.