السؤال
ما هو قول القدرية؟ وكيف يمكن الرد عليهم؟هناك من يقولون إن إرادة الإنسان وقوة روحه أو قوة تركيزه أو عزيمته هي وحدها المؤثرة . كيف يمكن الرد على هؤلاء؟هناك من يربطون بين هذا وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)ويقولون إن الدعاء لا يفيد ولكن اليقين(الإرادة) هي التي تؤثر ويجعلون المسلمين كمن كانوا يعبدون الأصنام. كيف يمكن الرد على هؤلاء؟كيف يمكن الرد على هؤلاء؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القدرية هم نفاة القدر، الذين يقولون: لا قدر والأمر أنف، أي مستأنف، وهذا نفي لعلم الله تعالى السابق، واعتقاد أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.
وهذا قول بين الضلال، وهو كفر بالله تعالى، وتكذيب للمعلوم من الدين بالضرورة.
والمعتقد الصحيح الذي تضافرت عليه أدلة الكتاب والسنة إثبات علم الله تعالى السابق، وأنه كتب مقادير الخلائق جميعا قبل أن يخلقهم، وأنه لا يقع في كونه إلا ما شاء وأراد.
قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) [القمر:49]
وقال: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) [الحديد:22]
وقال: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) (الأنعام:125) إلى غير ذلك من الآيات البينات.
وروى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء". وفي الصحيحين -وهذا لفظ مسلم - عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار" قالوا: يا رسول الله فلم نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: " لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ثم قرأ (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ) إلى قوله (فسنيسره للعسرى).
وروى أبو داود في سننه أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال لابنه: يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة" يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من مات على غير هذا فليس مني" .
وقد ورد في السنة أحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم في ذم القدرية ووصفهم بأنهم مجوس هذه الأمة، وهي وإن كانت لا تخلو من مقال، إلا أن بعضها يصل إلى درجة الحسن، منها: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم" رواه أبو داود، ورمز له السيوطي بعلامة الصحة، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وأول من قال بالقدر: معبد الجهني البصري في أواخر عهد الصحابة، وأخذ عنه غيلان الدمشقي، وقد تبرأ منهم من سمع بهم من الصحابة كعبد الله بن عمر وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن أوفى وعقبة بن عامر الجهني وغيرهم.
وفي صحيح مسلم عن يحي بن يعمر قال: كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فسألنا عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب… فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف. قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريئ منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر: لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر".
ومع إثبات أهل السنة والجماعة للقدر، فإنهم يرون للإنسان اختيارا وإرادة هي مناط التكليف، والعبد وإرادته مخلوقات لله تعالى، وهذا ما أثبته القرآن الكريم وصرحت به السنة النبوية، كقوله تعالى: ( لمن شاء منكم أن يستقيم) وقوله تعالى: ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وقوله: ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ) وقد سبق بيان ذلك مفصلا في عدة فتاوى، يمكنك الإطلاع عليها من خلال البحث الموضوعي: العقيدة/ أركان الإيمان /الإيمان بالقدر.
ومن هذا يعلم بطلان قول من يقول إن إرادة الإنسان وقوة روحه أو قوة تركيزه أو عزيمته هي وحدها المؤثرة، فإنه لا يقع في كون الله تعالى إلا ما يشاؤه، ولا يستطيع العبد أن يفعل شيئا إلا إذا أراد الله تعالى ذلك، كما في الآية السابقة ( لمن شاء منكم أن يستقيم* وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير:28،29] فأثبت للعبد مشيئة، وأخبر أنها لا تؤثر ولا تنفذ إلا بعد مشيئة الله تعالى، لكن العبد فاعل لفعله حقيقة، ولهذا يحاسب عليه ويجازى.
وأما اشتراط اليقين لإجابة الدعاء فهو كاشتراط طيب المطعم والملبس، وكاشتراط خلو الدعاء من الإثم وقطيعة الرحم، فحضور القلب ويقين الداعي بأن الله سيجبيه سبب لقبول الدعاء، وهو من إحسان الظن بالله تعالى، والله عند ظن عبده به، وقد سبق بيان ذلك تحت الفتوى رقم 9081
وقولهم: الدعاء لا يفيد والمفيد إنما هو اليقين أو الإرادة، خطأ واضح، فإن اليقين هنا يراد به أن تتيقن أن الله سيجيب دعاءك، وهذا لا يكون إلا حيث وجد الدعاء.
ولا وجه لتشبيه المسلم الموحد الذي يفرد الله تعالى بالعبادة ويعتقد أنه الخالق المالك الذي لا يقع في ملكه إلا ما أراد، لا وجه لتشبيه هذا المسلم بعابد الصنم.
وعباد الأصنام كانوا يثبتون القدر، ولكنهم كانوا يحتجون به على جواز الشرك والانحراف، كما قال تعالى (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) [الأنعام:148] والاحتجاج بالقدر على الذنوب والآثام باطل، فإن المشرك يفعل هذا الباطل باختياره، لا يشعر أن أحدا يجبره عليه، فكان واجبا عليه أن يمتثل أمر ربه بتوحيده وترك الإشراك به، وكل هذا في مقدوره وتحت وسعه، وتجد تفصيلا لهذا الأمر فيما سبق من الفتاوى.
والله أعلم.