السؤال
بسم الله والصلاة والسلام على رسول اللهمنذ مدة ليست طويلة، تعودت أن أصوم يومي الاثنين والخميس صيام تطوع إيمانا بالله واحتسابا، ولكن والدتي كانت في كل مرة تحاول أن تقنعني أن الصيام يضر بي و خاصة في فصل الصيف مع العلم أني أتمتع بصحة جيدة و الحمد لله ولكنه عطف الأم و خوفها علي جعلها تظن أن جسدي لا يتحمل الجوع والعطش حتى أصبحت تلح علي أن أتخلى عن هذه العادة على الأقل في الأيام الحارة. و كان يبدو عليها القلق والخوف في كل يوم أصوم فيه. ووجدت نفسي بين أمرين، فأنا أحب الصوم و أبتغي به عند الله الأجر والثواب. فهل ثباتي على هذه العادة التي دأبت عليها يعتبر عقوقا طالما أن أمي لا توافقني على ذلك؟أرجو إفادتي و لكم الشكر سلفاوالسلام
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اهتم الإسلام بالوالدين اهتماما بالغا، وجعل طاعتهما والبر بهما من أفضل القربات، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: "الصلاة على وقتها" قال: ثم أي؟. قال: "بر الوالدين" قال: ثم أي؟. قال: "الجهاد في سبيل الله".
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام، وقدم في الحديث بر الوالدين على الجهاد، لأن برهما فرض عين بخلاف الجهاد، فإن منه ما هو فرض كفاية، ومنه ما هو فرض عين، وإذا كان بر الوالدين مقدما على الجهاد إذا كان فرض كفاية، فتقديمه على غير الفرض كالنوافل أولى وأحرى.
وعليه، فإذا تعارض صوم التطوع مع بر الوالدين قدم برهما، لأنه فرض عين، خصوصا عند شفقتهما على الابن وتضررهما بمعاناته، وقال بعض أهل العلم: إنه لا طاعة لهما في ترك السنن الراتبة، كترك ركعتي الفجر والوتر، ونحو ذلك، إذا سألاه ترك ذلك على الدوام.
ولعل الصواب هو التفريق بين ما كان الحامل لهما على منع الابن منه هو مجرد المشقة كالصوم، وبين مالا مشقة فيه كصلاة النوافل الراتبة، فيطاعان في الأول دون الثاني، ومن هنا فقد يكون في ترك الصوم تطوعا في الحر - برا وشفقة بهما - حصول الأجرين معا: أجر الصوم، وأجر البر.
أما أجر الصيام، فلعقده العزم عليه لولا وجود المانع، وأما أجر البر، فلامتثال أمرهما.
ومما يجدر التنبه له أن الابن إذا استطاع الجمع بين الحسنيين: المداومة على ما اعتاد من صيام، وحصول رضى الوالدين، كان ذلك أولى، ولذلك طريقتان:
الأولى: بذل الجهد في إقناعهما بأن الصوم لا يعود على البدن بالضرر غالبا، بل ربما كان - في أحيان كثيرة - من أفضل وسائل جلب الصحة، والمحافظة عليها، فقد ثبت ذلك طبيا حتى عند غير المسلمين.
الطريقة الثانية: أن يكتم عنهما أنه صائم بأن لا يقيل عندهما يوم الصوم إذا لم يكن في ذلك تفويت لأمر يحتاجانه منه.
والله أعلم.