السؤال
أنا وقعت في العشق الطاهر وقد واصلت في مراسلة المحبوب وبعد ذلك انقطعت وذلك اتقاء لأي حرام ولكنني ضعت ومرضت ولم أستطع مواصلة حياتي بشكل طبيعي ، وهو كذلك على ما أعتقد فهل المواصلة حرام أم مكروهة؟وهل العشق الطاهر حرام؟وهل التعلق بشخص حرام علما أن هذا خارج عن النفس؟وما حكم المواصلة مع المحبوب عن بعد علما أنه حب طاهر غرضه الزواج؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا نرى أنه لابد من ذكر مقدمة مهمة في هذا الموضوع قبل الجواب عن هذه الأسئلة وهي: أن العشق مرض من أمراض القلب، وما أجمل ما قاله ابن القيم رحمه الله في الطب النبوي عند الحديث عن هديه صلى الله عليه وسلم في علاج العشق.
قال ابن القيم: هذا مرض من أمراض القلب، مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم، عز على الأطباء دواؤه، وأعيى العليل داؤه… إلى أن قال: وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المعرضة عنه، المتعوضة بغيره عنه، فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه، دفع ذلك عنه مرض عشق الصور، ولهذا قال تعالى في حق يوسف: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) [يوسف:24]
فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته، فصرف المسبب صرف لسببه، ولهذا قال بعض السلف، العشق حركة قلب فارغ، يعني: فارغا مما سوى معشوقه…
والعشق مركب من أمرين : استحسان للمعشوق، وطمع في الوصول إليه، فمتى انتفى أحدهما انتفى العشق، وقد أعيت علة العشق على كثير من العقلاء، وتكلم فيها بعضهم بكلام يرغب عن ذكره إلى الصواب، ثم قال: والمقصود أن العشق لما كان مرضا من الأمراض، كان قابلا للعلاج، وله أنواع من العلاج، فإن كان مما للعاشق سبيل إلى وصل محبوبه شرعا، فهو علاجه، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" فدل المحب على علاجين: أصلي وبدلي، وأمره بالأصلي: وهو العلاج الذي وضع لهذا الداء، فلا ينبغي العدول عنه إلى غيره ما وجد إليه سبيلا. وروى ابن ماجه في " سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لم نر للمتحابين مثل النكاح" … إلخ ما قال في زاد المعاد( 4/265) وعلى هذا فيمكننا أن نركز الكلام حول العشق في نقاط:
1- العشق مرض من أمراض القلب ولا بد من علاجه.
2- العشق منه حلال ومنه حرام كما قال ابن القيم رحمه الله (4/276) وسنوضح ذلك فيما يلي:
3- من طرق العلاج للعشق بين الرجل والمرأة الزواج -إذا كان ممكنا- وهو أصل العلاج وأنفعه.
4- إن كان لا يوجد سبيل لوصول العاشق إلى معشوقه قدرا أو شرعا كأن تكون المرأة متزوجة من غير العاشق، أو كان العشق بين اثنين لا يمكن زواجهما مثل: الزبال مع بنت الملك…وهكذا، فمن علاجه كما يقول ابن القيم: إشعار نفسه اليأس منه فإن النفس متى يئست من الشيء استراحت منه ولم تلتفت إليه.
5- فإن لم يزل مرض العشق مع اليأس فقد انحرف الطبع انحرافا شديدا فينتقل إلى علاج آخر، وهو علاج عقله بأن يعلم بأن تعلق القلب بما لا مطمع في حصوله نوع من الجنون، وصاحبه بمنزلة من يعشق الشمس، وروحه متعلقة بالصعود إليها، والدوران معها في فلكها، وهذا معدود عند جميع العقلاء في زمرة المجانين…
6- فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء، ولم تطاوعه لهذه المعالجة، فلينظر ما تجلب عليه هذه الشهوة من مفاسد عاجلته، وما تمنعه من مصالحها. فإنها أجلب شيء لمفاسد الدنيا، وأعظم شيء تعطيلا لمصالحها، فإنها تحول بين العبد وبين رشده الذي هو ملاك أمره، وقوام مصالحه.
7- فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء، فليتذكر قبائح المحبوب، وما يدعوه إلى النفرة عنه، فإنه إن طلبها وتأملها، وجدها أضعاف محاسنه التي تدعوا إلى حبه، وليسأل جيرانه عما خفي عليه منها، فإن المحاسن كما هي داعية الحب والإرادة، فالمساوئ داعية البغض والنفرة، فليوازن بين الداعيين، وليحب أسبقهما وأقربهما منه بابا، ولا يكن ممن غره لون جمال على جسم أبرص مجذوم، وليجاوز بصره حسن الصورة إلى قبح الفعل، وليعبر من حسن المنظر والجسم إلى قبح المخبر والقلب.
8- وأخيرا كما يقول ابن القيم رحمه الله: فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها لم يبق له إلا صدق اللجأ إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، وليطرح نفسه بين يديه على بابه، مستغيثا به، متضرعا متذللا، مستكينا، فمتى وفق لذلك، فقد قرع باب التوفيق فليعف وليكتم، ولا يشبب بذكر المحبوب، ولا يفضحه بين الناس ويعرضه للأذى، فإنه يكون ظالما متعديا (زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم) (4/275).
أما قول ابن القيم رحمه الله بأن العشق منه حلال، ومنه حرام فبيانه: أن من العشق الحرام عشق الرجل امرأة غيره، أو عشقه للمردان والبغايا. وأما الحلال فهو الذي يكون بين الرجل وزوجته ولم يتجاوز حد الاعتدال، ولم يؤد إلى الوقوع في محرم أو ترك واجب من واجبات الدين. وبناء على ذلك نقول: لا يجوز لك إرسال الرسائل إلى المحبوب لأنكما أجنبيان عن بعضكما البعض، ولا تجوز المواصلة بينكما بأي طريقة أخرى، وإذا كنتما تريدان الزواج فلماذا لا تقدمان عليه؟ فإما الزواج إذا كان ذلك ممكنا ، مع الصبر والتقى حتى يتم ذلك ، أو قطع الصلة دون تردد، فإذا كان تعلق الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل خارجا عن النفس، فلا يجوز أن يتخذ حجة لإقامة علاقة مع الطرف الآخر، أو مواصلته أو مراسلته، ولكن إن كان يستطيع الزواج منه فليتقدم لخطبته، وليعجل وليستعن بالله، وإذا كان لا يستطيع الزواج منه فليقطع صلته به تماما، ولييأس منه تماما كما تقدم، وليشغل نفسه بما ينفعه في دينه ودنياه. ونسأل الله أن يصرف عنه هذا التعلق الذي لا فائدة منه ولا جدوى، وأن يعوضه عن ذلك بالحلال.
والله أعلم.