السؤال
أنا أتعامل مع زوجي بخوف بالغ لأنني تعرضت للطلاق مرتين وفي كل مرة تخرج منه كلمة الطلاق بلا وعي وبلا نية مبيتة فهو مريض بداء السكر وعالي عنده جدا وقد يتلفظ بدون قصد وبدون نية بهذا اللفظ القاسي.. سيدى هل يعتبر الطلاق بدون نية أو رغبة أو تحكم بالأعصاب طلاقا صحيحا، وما الحكمة من الطلاق اللفظي مع أنه يشرد الأطفال ويفرق الأسر؟ وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد شرط أهل العلم لوقوع الطلاق أمرين:
الأول: أن يقصد الزوج لفظ الطلاق، فلو قصد لفظا آخر فسبق لسانه إلى لفظ الطلاق لم يقع الطلاق في الباطن أي فيما بينه وبين الله تعالى، وأما في الظاهر فكذلك إن قامت قرينة تدل على ذلك، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في شرح الروض: (وكذا سبق اللسان) إلى لفظ الطلاق لغو لأنه لم يقصد اللفظ... (فإن كان اسمها طالقا أو طارقا أو طالبا) أو نحوها من الأسماء التي تقارب حروف طالق (فناداها يا طالق طلقت و) لكن (إن ادعى سبق اللسان) إليه من تلك الألفاظ (قبل منه) ظاهرا لظهور القرينة. انتهى.
الثاني: أن يقصد معناه، ومعنى لفظ الطلاق هو حل عقد النكاح والعصمة الزوجية، وانعدام هذا الشرط إنما يمنع وقوع الطلاق في حالة وجود القرينة الدالة على أن المتلفظ بلفظ الطلاق لم يرد إيقاع الطلاق، أما إذا لم توجد القرينة فإن الطلاق واقع ولو ادعى عدم إرادته حل عقد النكاح، وأما النية فلا تشترط لوقوع الطلاق إلا إذا كان اللفظ غير صريح، كأن يكون من كنايات الطلاق فلا يعتبر طلاقا إلا إذا كان الزوج قصد به الطلاق، وقد بينا صريح الطلاق وكناياته في الفتوى ر قم: 37121.
وهنا ننبه زوجك إلى خطورة الغضب، وأن الإنسان يقول أو يفعل وقت الغضب ما يندم عليه بعد ذلك، فليضبط نفسه عن الغضب، وينبغي أن تتجنبي أنت ما يغضبه، وإن حصل فينبغي أن تخرجي عنه ولا تجادليه لئلا يزداد غضبه فيوقع عليك الطلاق فيقع، لأن الطلاق يستوي فيه الجاد والهازل، ومن أراد التهديد ومن لم يرده ما دام قد قصد التلفظ بالطلاق، قال صلى الله عليه وسلم: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد؛ وذكر منها: الطلاق. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.
وأما بالنسبة لطلاق الغضبان فإنه تقدم حكمه في الفتوى رقم: 8628 وذكرنا فيها ضابط الغضب الذي لا يقع معه الطلاق ولا يعتد بما صدر من صاحبه.
وأما قولك: ما الحكمة من الطلاق اللفظي مع أنه يشرد أطفالا ويهدم أسرا؟ فجوابه: أنا لا نعلم في الشريعة ما يسمى بالطلاق اللفظي، وقد بينا أن سبق لفظ الطلاق على لسان المرء دون قصد منه لا يقع به الطلاق، وإن قصد اللفظ دون المعنى يقع به الطلاق بدون فرق بين الجاد والهازل في ذلك حفظا للعصمة من التلاعب، فهي وثاق متين ورباط أمين يجب صونه عن اللعب والهزل به، فحمته الشريعة بإلزام الهازل بما يهزل به من ذلك، ولكنها فتحت الباب بحق الرجعة دون عقد جديد أو شهود مدة العدة تفاديا للخطأ واستدراكا له، وجعلت ذلك مرتين. ثم إن طلق في الثالثة فهذا يعني إصراره على الفرقة وعدم بقاء العصمة، وهو يتحمل حينئذ -أو هي إن كانت السبب- نتيجة ذلك، وهذه بعض المعاني والحكم التي يمكن تلمسها، وقد تكون هنالك حكم أسمى ولطائف أجل قصر عن إدراكها العقل، وحسبنا أنها من اللطيف الحكيم الخبير: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير {الملك:14}، كما أن شأن التحليل والتحريم وسائر أمور الشرع إلى الله تعالى، وإلى رسوله المبلغ عنه صلى الله عليه وسلم، وأنه ما من شرع إلا ووراءه حكمة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، والابتلاء بالتحريم والتحليل يظهر العبودية والامتثال، فالعبد المؤمن يقول: سمعنا وأطعنا. والعبد الخاسر يقول: سمعنا وعصينا. وليس للمؤمن فيما قضى الله ورسوله خيرة، كما قال الله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا {الأحزاب:36}، وليس للعبد أن يعترض على مولاه، ولا أن يتقدم بين يديه بالسؤال: لم حرم هذا؟ ولم أبيح ذاك؟ فالله تعالى: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {الأنبياء:23}.
والله أعلم.