السؤال
تعرفت على زوجة صديق زوجي وبعد أن حددنا أول موعد لنتقابل فوجئت بأنها متبرجة (ترتدي بنطلون وجاكت قصير وطرحه قصيرة)، فعلمت انها غير ملتزمة، ملحوظة: أنا منتقبة، ولن أخفي أني لاحظت أن لبسها سيئ المظهر بما نقول فى العامية (مش شيك)، وشعرت أني لن أرتاح معها أبدا، ولكن عندما دعوتها لتحفظ معنا فى المسجد جاءت ولم تتأخر وشعرت أنها تريد أن تحفظ وتتمنى ذلك ولكني ظللت غير مرتاحه للبسها، أولا: لأنه غير ملتزم.. وثانيا: لأنه سيئ المظهر، وكذلك بدأت أشعر أني غير مرتاحة لأسلوب كلامها وشعرت بفارق اجتماعي بيننا، وحزنت لهذا كثيرا لأني شعرت أنني بهذا قد أكون متكبرة، فأنا لم أجرح مشاعرها، ولكني لم أستطع أن أنافقها فكانت تقول لي أنها أحبتني كأني أختها وأنا أقول لها كلمات شكر ليس أكثر، ودعوت أن يبعدها الله إن لم يكن في صداقتها خير لي، وقدر الله أن ابتعدت عني لأنها ذهبت لمسجد آخر أقرب لبيتها... ولكن أنا أريد أن أعرف هل يجوز لي أن أشعر أني غير مرتاحة لإنسانة ولا أريد أن أصادقها لأني لا أرتاح للبسها أو طريقة كلامها وتفكيرها، -أي لشعورى بفرق اجتماعي بيننا- وأبعد عنها لهذا السبب، ذلك دون أن أجرح مشاعرها بفعل أو قول، أم أن هذا يعتبر تكبرا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان شعورك بعدم الارتياح لها سببه تقصيرها في حق الله وعدم التزامها للبس الشرعي العفيف وبذاءتها في القول فلا حرج في ذلك، بل هو أدنى درجات إنكار المنكر أي الإنكار بالقلب وعدم الرضى بالمعصية والاشمئزاز النفسي منها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وأما إن كان شعورك سببه كونها دونك اجتماعيا ونحو ذلك، ونتج عن ذلك الشعور تصرف من قول أو فعل يسيء إليها أو زدراء بها فلا يجوز لأنه من التكبر واحتقار المسلمين، وفي الحديث عند مسلم وغيره يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: لا تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا ويشير صلى الله عليه وسلم إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
وثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق، وغمط الناس. قال ابن رجب الحنبلي: المتكبر ينظر إلى نفسه بعين الكمال وإلى غيره بعين النقص فيحتقرهم ويزدريهم ولا يراهم أهلا لأن يقوم بحقوقهم ولا أن يقبل من أحدهم الحق إذا أورده عليه.
فعليك أن تنقي قلبك من ذلك فإنه من أمر الجاهلية وكيد الشيطان، والنبي صلى الله عليه وسلم قد عاتبه ربه لما جاءه ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى من فقراء المسلمين فأعرض عنه لانشغاله بدعوة صناديد قريش وزعمائها وذوي المكانة فيها طمعا في إسلامهم، فأنزل الله تعالى: عبس وتولى* أن جاءه الأعمى* وما يدريك لعله يزكى* أو يذكر فتنفعه الذكرى* أما من استغنى* فأنت له تصدى* وما عليك ألا يزكى* وأما من جاءك يسعى* وهو يخشى*فأنت عنه تلهى* كلا {عبس}، روى الترمذي في جامعه ومالك في موطئه وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أنزل (عبس وتولى) في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر، ويقول أترى بما أقول بأسا، فيقول: لا، ففي هذا أنزل.
وأما إن كان ما ذكرت مجرد شعور قلبي وحديث نفس دون قول أو فعل يقتضي ذلك فلا مؤاخذة فيه، قال الإمام النووي في كتابه الأذكار: فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل. رواه البخاري ومسلم.
وينبغي دفع تلك الخواطر والمشاعر لئلا تستقر في النفس وتتمكن في القلب إذ يؤاخذ عليها حينئذ، قال الإمام المازري رحمه الله: مذهب القاضي أبي بكر بن الطيب: أن من عزم على المعصية ووطن نفسه عليها أثم في اعتقاده وعزمه، ويحمل ما وقع من ذلك في هذه الأحاديث وأمثالها على أن ذلك فيمن لم يوطن نفسه على المعصية. وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر، للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب.
فما دامت الفتاة أظهرت لك إقبالا على الدراسة وعطفا عليك فكان الذي ينبغي أن تختضنيها وتحاولي التأثير على سلوكها وفصلها عن صديقات السوء ولك في ذلك الأجر وهو ما ننصحك به، وشكرها والثناء عليها ليس من النفاق فامدحيها بإقبالها على التعلم وخلقها ونحو ذلك، ولا تقولي إلا حقا، وحاولي نصحها فيما تقتصر فيه من اللباس أو نحوه، وحذريها من صديقات السوء وافصليها عنهن، وليكن ذلك كله بحكمة وأسلوب حسن مع التدرج وعدم العجلة فلا تحمليها على الحق جملة فتدفعه جملة، ولكن بشيء من الرفق واللين والتغاضي عما يمكن التغاضي عنه وأخلصي النية والقصد لله سبحانه وتعالى وتجردي من حظوظ النفس وأهوائها، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.