السؤال
أنا شاب من تونس متحصل على شهادة في القانون تمكنني من العمل في مهنة المحاماة أو القضاء، ولكنني تجنبت العمل في هذين الوظيفتين وذلك لأن القانون هنا في أغلبه وضعي والأحكام تخالف في معظمها حكم الله... المشكلة أن والدي ليسا مقتنعين تماما بما فعلت ويلومونني كوني الآن شبه عاطل عن العمل... السؤال الأول: ما رأي الشرع فيما قمت به، وهل من كلمة نصح صغيرة لوالدي، ونشرت مؤخرا مناظرة لانتداب وظيفة إدارية وهي مستشار مجلس النواب نصحني أصدقائي بعدم المشاركة وذلك لأن مجلس النواب هو من يقر هذه الأحكام الوضعية وبالتالي فإن هذه الوظيفة الإدارية فيها تسهيل لوظيفة هؤلاء أي تعاون على هذا الإثم.... فهل أصدقائي محقون في حكمهم وبماذا تنصحوننا، فأرجو عدم إحالتي على أسئلة اخرى لحساسية الموقف؟ وجزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز العمل بمهنة يلزم منها الحكم بالقوانين المخالفة لشرع الله أو المعاونة على ذلك بوجه من الوجوه، وسواء كانت هذه المهنة محاماة أو قضاء أو عملا وظيفيا أيا كان نوعه. وعليه، فإذا كنت تستطيع أن تقتصر في مهنة المحاماة أو القضاء أو مستشار مجلس النواب على القضايا التي لا يلزم فيها الحكم بغير ما أنزل الله مثل القضايا الإدارية وتوثيق العقود ونحوها، وكذلك القضايا التي يكون فيها الحكم موافقا للشريعة، أو القضايا التي فيها دفع الظلم عن المظلومين أو تقليله، فلا حرج عليك في العمل في هذه المهنة، بل قد يجب ذلك لتحصيل القوت والنفقة الواجبة ونصرة المظلوم.
أما إذا كنت لا تستطيع أن تبتعد عن تلك القضايا التي يلزم فيها مخالفة حكم الله والمعاونة على ذلك فيحرم عليك العمل بها؛ لعموم قوله تعالى: أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون {آل عمران:83}، وقوله تعالى: أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون {المائدة:50}، وقوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا* وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا {النساء:60-61}.
وفي هذه الحالة الأخيرة فإن ما فعلته من عدم العمل في مهنة المحاماة والقضاء هو الواجب، وعلى والديك أن يعيناك على ذلك ويفرحا به؛ إذ الولد الصالح الذي يقف عند حدود الله من أعظم ما يتمناه الأبوان المسلمان، ولعلهما يرزقان بك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم. رواه أحمد، ولا يستبعد -في فضل الله- أن تنال وظيفة هي أفضل بكثير مما يؤملان، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، قال الله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا* ويرزقه من حيث لا يحتسب {الطلاق:3}.
والله أعلم.