السؤال
سيدى الفاضل توفيت أمي منذ ما يقرب من شهرين وقد كانت ترغب فى عمل الآتي: 1- كانت قبل وفاتها ترغب فى عمل لافتة توضع على طريق السفر بها أذكر الله أو استغفر الله أو سبحان الله.... وهكذا، المهم أننا بعد وفاتها قمنا بعمل الإجراءات لذلك إلا أنه أتضح أنه تم منع هذه اللافتات لأسباب أمنية، وقد قررنا عمل ماء مسبل بدلا من ذلك، فهل عدم استطاعتنا تأدية هذه الوصية يعد حراما علينا، مع العلم بأن أمي قامت قبل وفاتها بعمل سبيل ماء.
2- قبل وفاة أمي ذهبنا إلى تعزية أحد أقاربنا ووجدت أمي أنهم يقومون بتوزيع كتيب (الدعاء للمتوفي) وعند عودتنا قالت إنها ترغب بعمل مثل هذه الكتيبات حتى تكون صدقة جارية على روحها وبعد وفاتها لم نقم بعمل هذه الكتيبات واشترينا عوضا عنها مصاحف وقمنا بإيداعها المسجد على أساس أن المصحف سيكون ثواب القراءة فيه أكبر من ثواب هذه الكتيبات التي تحتوي على بعض السور ودعاء للمتوفى، فهل قيامنا بذلك يعد مخالفا لوصيتها وهل يجب علينا عمل هذه الكتيبات.
3- بعد وفاة أمي وتغسيلها كنت أجلس معها في الغرفة وأخذت أدعو الله كثيرا وأثناء دعائي لها دعوت على نفسي بأن لا يعذب الله أمي في القبر وأن يعذبني عوضا عنها، وكنت أقول يا رب لا تعذب أمي في القبر ثانية، ارحمها يارب عذبني عوضا عنها يا رب تعذبت في الدنيا كثيرا فلا تعذبها، المهم أني بعد وفاتها سمعت أحد أشرطة الدار الآخرة وأنه يجب عدم الدعاء بسوء عند وفاة أحد لأن الملائكة تؤمن على هذا الدعاء، فهل أعد آثمة وهل علي شيء، فأرجو إفادتي؟ ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من سعى في تحقيق طموح الوالدة أو تنفيذ وصيتها بأمر ما ثم عجز عن ذلك فإنه يعفى عنه لقول الله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها {البقرة:286}، وأما التصدق بالماء فهو من أفضل القرب والصدقات، ففي الحديث أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل، قال: الماء، قال: فحفر بئرا وقال هذه لأم سعد. رواه أبو داود وحسنه الألباني. وفي الحديث: ليس صدقة أعظم أجرا من ماء. رواه البيهقي وحسنه الألباني.
وإذا كانت الأم ترغب في توزيع كتاب ما ولم تكن أوصتكم، ولكنكم رغبتم في تحقيق طموحها ثم رأيتم أن المصحف أفضل من ذلك الكتاب واشتريتم مصاحف لهذا الغرض فإنه لا حرج في هذا، لأن القرآن هو أفضل ما يقرأ ويتعلم وهو أفضل الذكر، وأما إذا كانت أوصت فعلا بأن يخرج من مالها ما يوفر به ذلك الكتاب فلا بد من تنفيذ وصيتها ما لم يكن الكتاب مشتملا على ما لا يجوز نشره من بدع أو غيرها، لنص أهل العلم على أن شرط الواقف إذا كان مشروعا يجب التقيد به، وذكر شيخ الإسلام أنه يجوز تغيير شرط الواقف لما هو أصلح منه، وأما إن لم تكن تركت مالا لتنفيذ الوصية وأردتم أنتم تنفيذ ما أرادت فلا يلزمكم التقيد بالكتاب المذكور اتفاقا بل يشرع لكم العدول إلى الأفضل، وأما الدعاء على نفسك بالعذاب بدلا عن أمك فهو ممنوع للنهي عن الدعاء عن النفس في الحديث: لا تدعوا على أنفسكم ولا على أولادكم ولا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم. رواه مسلم. وفي الحديث في النهي عن الدعاء بما لا يرغب عند المحتضر: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون. رواه مسلم.
وكان عليك أن تستغفري لوالدتك وتكثري الدعاء لها بالرحمة ورفع الدرجات كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة فقال لما حضر موته: اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبة في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه. رواه مسلم. وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 52737، 34480، 31284، 26022.
والله أعلم.