السؤال
قام جدي في الفترة ما بين (1920-1930) ببيع بعض قطع الأراضي التي كان يمتلكها (بيع وفاء)، وسافر إلى الخارج وترك أربعة أطفال (ولد واحد وثلاث بنات) وزوجته التي توفيت بعد 3 سنوات من سفره، وبالرغم من محاولة والدي البحث عنه في جميع الوسائل المتاحة، إلا انه لحين تاريخه لم نجد له أثرا، ولم يثبت بعد بأنه قد توفي أو ما زال على قيد الحياة، في الفترة ما بين (1930-1945) قام والدي بإعادة واسترجاع البعض من هذه الأراضي التي قد بيعت من قبل جدي، والباقي ما زال ملك الآخرين، والمبالغ التي استرجع بها الأراضي هذه كانت من جهده الخاص دون مشاركة أحد لمساعدته، وقام باستصلاحها زراعيا وغرسها لوحده دون مساعدة أحد ماديا أو غيره.
قبل حوالي 13 سنة توفيت عمتي وتركت أبناء وبناتا.
الأراضي هذه يمتلكها والدي قانونيا بموجب الحجج التي بحوزته منذ ذلك التاريخ، ولكن لراحة الضمير والنفس لا بد من الأخذ برأي الشرع أولا، وعليه أرجو تزويدنا بالرأي الشرعي للأسئلة الثلاثة التالية:
الأول: هل الأراضي التي ذكرت أعلاه واسترجعها والدي بماله وجهده الخاص تدخل شرعا ضمن أملاك تركة جدي لتوزيعها على الورثة ورثة (أبناء جدي)؟
الثاني: إذا كانت شرعا تدخل ضمن توزيع التركة. فما هو نصيب والدي بدل استصلاحها وحده دون مساعدة أحد غير أبنائه؟
الثالث: ما هو رأيكم بنصيب عمتي المتوفاة قبل ثبوت وفاة جدي قبلها أو بعدها لحين تاريخه؟ وهل ترث من جدي أم لا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فصورة بيع الوفاء هو أن يبيع المحتاج إلى النقود عقارا أو منقولا صالحا للبقاء مدة طويلة على شرط استرداد البائع له عندما يعيد الثمن للمشتري. وإنما سمي بيع الوفاء لأن المشتري يلزمه الوفاء بالشرط.
وهذا البيع فاسد عند جمهور أهل العلم، وهو مذهب المالكية والحنابلة والمتقدمين من الحنفية والشافعية، لأن البيع على هذا الوجه لا يقصد منه حقيقة البيع، وإنما يقصد من ورائه الوصول إلى الربا المحرم، وهو إقراض المال إلى أجل بزيادة ربوية، وهي الانتفاع بالمبيع مدة الأجل.
كما أن اشتراط البائع أخذ المبيع إذا رد الثمن إلى المشتري يخالف مقتضى البيع وحكمه، وهو ملك المشتري للمبيع على سبيل الاستقرار والدوام.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9 - 14 أيار (مايو) 1992 م، بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (بيع الوفاء) وبعد الاستماع للمناقشات التي دارت حول بيع الوفاء وحقيقته: ( بيع المال بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري إليه المبيع)
تقرر: أولا: إن حقيقة هذا البيع (قرض جر نفعا) فهو تحايل على الربا، وبعدم صحته قال جمهور العلماء
ثانيا: يرى المجمع أن هذا العقد غير جائز شرعا.
وبناء على ما تقدم، فإن البيع الذي باعه جدك بيع فاسد، وهذه الأراضي باقية على ملكه ولا تعد تركة إلا إذا ثبتت وفاته، أو مضت على فقده مدة لا يتصور حياته بعدها، وفي تحديد المدة التي لا يحيى إلى مثلها عادة اختلاف بين أهل العلم، والراجح أن هذا يختلف باختلاف الأحوال والبلدان، ويرجع إلى اجتهاد القاضي، وما ترجح لديه بناء على القرائن والظروف والأحوال المحيطة بالمفقود، وراجع لتفصيل ذلك الفتوى: 94892، والفتوى: 93561.
وبالنسبة لما بذله والدك في استرجاع هذه الأرض واستصلاحها من ماله، فله أن ينتفع بهذه الأرض بقدر ما بذل من مال وجهد، وما فضل عن ذلك أنفق منه على من تلزم جدك نفقته، وحفظ باقيه حتى تتبين حياة جدك من موته.
وإذا أمكن رفع الأمر إلى القضاء والحكم ببطلان بيع الوفاء وإبقاء الأرض على ملك جدك وإقامة متول أمين يرعاها ويوفي أباك ما أنفق من مال وأجر ما بذل من جهد وينفق من دخلها على من هو محتاج إلى النفقة ممن تلزم جدك نفقته ويحفظ الباقي فهو أولى.
ومتى حكم القاضي بموت جدك اعتبر ميتا من وقت صدور الحكم بالنسبة لتركته، فيستحقها ورثته الموجودون وقت الحكم لا الذين ماتوا قبله, فكأنه مات حقيقة في ذلك اليوم.
قال ابن قدامة في المغني: واتفق الفقهاء على أنه لا يرث المفقود إلا الأحياء من ورثته يوم قسم ماله.
وبهذا تعلم أن عمتك إذا ماتت قبل الحكم بموته، فإنها لا ترث منه، وإذا ماتت بعد ذلك، فإنها ترث.
والله أعلم.