واختص الدين بأحكام : منها جواز الكفالة به إذا كان دينا صحيحا وهو ما لا يسقط إلا بالأداء والإبراء ; فلا يجوز ببدل الكتابة ; لأنه يسقط بدونهما بالتعجيز .
6 - والذي أقول في هذا : أن الرهن لا يصح بها ; لأنها غير مضمونة في يد الموقوف عليه ، ولا يقال لها عارية أيضا ، بل الأخذ بها إن كان من أهل الوقف استحق الانتفاع ويده عليها يد أمانة .
فشرط أخذ الرهن عليها فاسد ، وإن أعطاه كان رهنا فاسدا ، ويكون في يد خازن الكتب أمانة ; لأن الفاسد من العقود في الضمان [ ص: 8 ] كصحيحها ، والرهن أمانة ، هذا إذا أريد الرهن الشرعي ، وإن أريد مدلوله لغة وأن يكون تذكرة ، فيصح الشرط ; لأنه غرض صحيح ، وإذا لم يعرف مراد الواقف فيحتمل أن يقال بالبطلان في الشرط المذكور حملا على المعنى الشرعي ، ويحتمل أن يقال بالصحة حملا على المعنى اللغوي ، وهو الأقرب تصحيحا للكلام ما أمكن ، وحينئذ لا يجوز إخراجها بدونه ، وإن قلنا ببطلانه لم يجز إخراجها به لعذره ولا بدونه ، إما ; لأنه خلاف لشرط الواقف وإما لفساد الاستثناء ، فكأنه قال لا تخرج مطلقا ، ولو قال ذلك صح ; لأنه شرط فيه غرض صحيح ; لأن إخراجها مظنة ضياعها ، بل يجب على ناظر الوقف أن يمكن كل من يقصد الانتفاع بتلك الكتب في مكانها ، وفي بعض الأوقاف يقول لا تخرج إلا بتذكرة وهذا لا بأس به ولا وجه لبطلانه ، وهو كما حملنا عليه قوله إلا برهن في المدلول اللغوي ، فيصح ويكون المقصود أن تجويز الواقف الانتفاع لمن يخرج به مشروط بأن يضع في خزانة الوقف ما يتذكر هو به إعادة الموقوف ; ويتذكر الخازن مطالبته فينبغي أن يصح هذا ، ومتى أخذه على غير هذا الوجه الذي شرطه الواقف يمتنع .
ولا نقول بأن تلك التذكرة تبقى رهنا بل له أن يأخذها ، فإذا أخذها طالبه الخازن برد الكتاب ويجب عليه أن يرده أيضا بغير طلب ، ولا يبعد أن يحمل قول الواقف الرهن على هذا المعنى حتى يصح إذا ذكره بلفظ الرهن تنزيلا للفظ على الصحة ما أمكن ، وحينئذ يجوز إخراجه بالشرط المذكور ويمتنع لغيره ، لكن لا تثبت له أحكام [ ص: 9 ] الرهن ولا يستحق بيعه ولا بدل الكتاب الموقوف ، إذا تلف بغير تفريط ، ولو تلف بتفريط ضمنه ، ولكن لا يتعين ذلك المرهون لوفائه ولا يمتنع على صاحبه التصرف فيه ( انتهى ) .
وقول أصحابنا - لا يصح الرهن بالأمانات - شامل للكتب الموقوفة ، والرهن بالأمانات باطل . فإذا هلك لا يجب شيء بخلاف الرهن الفاسد فإنه مضمون كالصحيح ، وأما وجوب اتباع شرطه وحمله على المعنى اللغوي فغير بعيد . ومنها صحة الإبراء عنه ; فلا يصح الإبراء عن الأعيان ، والإبراء عن دعواها صحيح . فلو قال : أبرأتك عن دعوى هذه العين صح الإبراء ، فلا تسمع دعواه بها بعده ، ولو قال : برئت من هذه الدار أو من دعوى هذه لم تسمع دعواه وبينته ، ولو قال : أبرأتك عنها أو عن خصومتي فيها فهو باطل ، وله أن يخاصم وإنما أبرأه عن ضمانه ، كذا في النهاية من الصلح وفي كافي الحاكم من الإقرار : لا حق لي قبله يبرأ من العين والدين والكفالة والإجارة والحد والقصاص ( انتهى ) . وبه علم أنه يبرأ من الأعيان في الإبراء العام
( 2 ) قوله : فلا تجوز الكفالة والرهن بالأعيان الأمانة ; لأن الضمان عبارة عن رد مثل الهالك إن كان مثليا أو قيمته إن كان قيميا فالأمانة إن هلكت بلا تعد فلا شيء في مقابلتها أو بتعد فلا تبقى أمانة بل تكون مغصوبة .
( 3 ) قوله : والمضمونة بغيرها . المراد بالأعيان المضمونة بغيرها عين ليست بمضمونة ولكنها تشبه المضمونة كبيع في يد البائع فإنه إذا هلك لم يضمن أحد مثله أو قيمته لكن الثمن يسقط عن ذمة المشتري وهو غير المثل والقيمة فبمجرد هذا الاعتبار سموه بالعين المضمونة بغيرها فكأنه من قبيل المشاكلة . ذكر ذلك بعض المحققين . [ ص: 7 ] قوله : كالمبيع . يعني إذا هلك عند البائع سواء هلك بعد منعه من المشتري بعد نقد أو لا ، ولا يصير بمنعه غاصبا حتى لو هلك فإنما يهلك بالثمن كما قبل المنع كذا في الذخيرة من كتاب القسمة في الفصل الثامن .
( 5 ) قوله : وأما المضمونة بنفسها أي في حد ذاتها ووجهه أن الضمان كما عرف عبارة عن رد مثل الهالك أو قيمته فالشيء إذا كان مثليا أو قيميا يكون بحيث لو هلك تعين المثل أو القيمة فتكون مضمونة في حد ذاتها مع قطع النظر عن العوارض كما حقق في محله .
( 6 ) قوله : والذي أقول إلخ . قال المصنف في البحر في باب التدبير بعد كلام : ومن هنا يعلم أن شرط الواقفين في كتبهم أنها لا تخرج إلا برهن شرط باطل إذ الوقف أمانة في يد مستعيره فلا يتأتى الاستيفاء بالرهن به