فصل في الفرق بين تكفير السيئات ومغفرة الذنوب
وقد جاء في كتاب الله تعالى ذكرهما مقترنين ، وذكر كلا منهما منفردا عن الآخر ، فالمقترنان كقوله تعالى حاكيا عن عباده المؤمنين
ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار والمنفرد كقوله :
[ ص: 318 ] والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم وقوله في المغفرة
ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم وكقوله :
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ونظائره .
فهاهنا أربعة أمور : ذنوب ، وسيئات ، ومغفرة ، وتكفير .
فالذنوب : المراد بها الكبائر ، والمراد بالسيئات : الصغائر ، وهي ما تعمل فيه الكفارة ، من الخطأ وما جرى مجراه ، ولهذا جعل لها التكفير ، ومنه أخذت الكفارة ، ولهذا لم يكن لها سلطان ولا عمل في الكبائر في أصح القولين ، فلا تعمل في قتل العمد ، ولا في اليمين الغموس في ظاهر مذهب
أحمد وأبي حنيفة .
والدليل على أن
السيئات هي الصغائر والتكفير لها قوله تعالى
إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما وفي صحيح مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول
nindex.php?page=hadith&LINKID=980222الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر .
ولفظ المغفرة أكمل من لفظ التكفير ولهذا كان من الكبائر ، والتكفير مع الصغائر ، فإن لفظ المغفرة يتضمن الوقاية والحفظ ، ولفظ التكفير يتضمن الستر والإزالة ، وعند الإفراد يدخل كل منهما في الآخر كما تقدم ، فقوله تعالى
كفر عنهم سيئاتهم يتناول صغائرها وكبائرها ، ومحوها ووقاية شرها ، بل التكفير المفرد يتناول أسوأ الأعمال ، كما قال تعالى
ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا .
وإذا فهم هذا فهم السر في الوعد على المصائب والهموم والغموم والنصب والوصب بالتكفير دون المغفرة ، كقوله في الحديث الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=980223ما يصيب المؤمن من هم ولا [ ص: 319 ] غم ولا أذى - حتى الشوكة يشاكها - إلا كفر الله بها من خطاياه فإن
المصائب لا تستقل بمغفرة الذنوب ، ولا تغفر الذنوب جميعها إلا بالتوبة ، أو بحسنات تتضاءل وتتلاشى فيها الذنوب ، فهي كالبحر لا يتغير بالجيف ، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث .
فلأهل الذنوب ثلاثة أنهار عظام يتطهرون بها في الدنيا ، فإن لم تف بطهرهم طهروا في نهر الجحيم يوم القيامة : نهر التوبة النصوح ، ونهر الحسنات المستغرقة للأوزار المحيطة بها ، ونهر المصائب العظيمة المكفرة ، فإذا أراد الله بعبده خيرا أدخله أحد هذه الأنهار الثلاثة ، فورد القيامة طيبا طاهرا ، فلم يحتج إلى التطهير الرابع .