[ ص: 316 ] فصل
وهذا يتبين بذكر
nindex.php?page=treesubj&link=19704التوبة النصوح وحقيقتها ، قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار فجعل وقاية شر السيئات - وهو تكفيرها - بزوال ما يكره العبد ، ودخول الجنات - وهو حصول ما يحب العبد - منوطا بحصول التوبة النصوح ، والنصوح على وزن فعول المعدول به عن فاعل قصدا للمبالغة ، كالشكور والصبور ، وأصل مادة ( ن ص ح ) لخلاص الشيء من الغش والشوائب الغريبة ، وهو ملاق في الاشتقاق الأكبر لنصح إذا خلص ،
nindex.php?page=treesubj&link=19704_18248فالنصح في التوبة والعبادة والمشورة تخليصها من كل غش ونقص وفساد ، وإيقاعها على أكمل الوجوه ، والنصح ضد الغش .
وقد اختلفت عبارات السلف عنها ، ومرجعها إلى شيء واحد ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب رضي الله عنهما :
nindex.php?page=treesubj&link=19704التوبة النصوح أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : هي أن يكون العبد نادما على ما مضى ، مجمعا على أن لا يعود فيه ، وقال
الكلبي : أن يستغفر باللسان ، ويندم بالقلب ، ويمسك بالبدن ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : توبة نصوحا ، تنصحون بها أنفسكم ، جعلها بمعنى ناصحة للتائب ، كضروب المعدول عن ضارب .
وأصحاب القول الأول يجعلونها بمعنى المفعول ، أي قد نصح فيها التائب ولم يشبها
[ ص: 317 ] بغش ، فهي إما بمعنى منصوح فيها ، كركوبة وحلوبة ، بمعنى مركوبة ومحلوبة ، أو بمعنى الفاعل ، أي ناصحة كخالصة وصادقة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي : يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، والإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سيء الإخوان .
قلت :
nindex.php?page=treesubj&link=18248النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء :
الأول : تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها بحيث لا تدع ذنبا إلا تناولته .
والثاني : إجماع العزم والصدق بكليته عليها ، بحيث لا يبقى عنده تردد ، ولا تلوم ولا انتظار ، بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادرا بها .
الثالث : تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها ، ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته ، والرغبة فيما لديه ، والرهبة مما عنده ، لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ، ومنصبه ورياسته ، ولحفظ حاله ، أو لحفظ قوته وماله ، أو استدعاء حمد الناس ، أو الهرب من ذمهم ، أو لئلا يتسلط عليه السفهاء ، أو لقضاء نهمته من الدنيا ، أو لإفلاسه وعجزه ، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل .
فالأول يتعلق بما يتوب منه ، والثالث يتعلق بمن يتوب إليه ، والأوسط يتعلق بذات التائب ونفسه ،
nindex.php?page=treesubj&link=19711فنصح التوبة الصدق فيها ، والإخلاص ، وتعميم الذنوب بها ، ولا ريب أن هذه
nindex.php?page=treesubj&link=27342التوبة تستلزم الاستغفار وتتضمنه ، وتمحو جميع الذنوب ، وهي أكمل ما يكون من التوبة ، والله المستعان ، وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
[ ص: 316 ] فَصْلٌ
وَهَذَا يَتَبَيَّنُ بِذِكْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=19704التَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَحَقِيقَتِهَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَجَعَلَ وِقَايَةَ شَرِّ السَّيِّئَاتِ - وَهُوَ تَكْفِيرُهَا - بِزَوَالِ مَا يَكْرَهُ الْعَبْدُ ، وَدُخُولِ الْجَنَّاتِ - وَهُوَ حُصُولُ مَا يُحِبُّ الْعَبْدُ - مَنُوطًا بِحُصُولِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ ، وَالنَّصُوحُ عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ الْمَعْدُولِ بِهِ عَنْ فَاعِلٍ قَصْدًا لِلْمُبَالَغَةِ ، كَالشَّكُورِ وَالصَّبُورِ ، وَأَصْلُ مَادَّةِ ( ن ص ح ) لِخَلَاصِ الشَّيْءِ مِنَ الْغِشِّ وَالشَّوَائِبِ الْغَرِيبَةِ ، وَهُوَ مُلَاقٍ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ لِنَصَحَ إِذَا خَلَصَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19704_18248فَالنُّصْحُ فِي التَّوْبَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْمَشُورَةِ تَخْلِيصُهَا مِنْ كُلِّ غِشٍّ وَنَقْصٍ وَفَسَادٍ ، وَإِيقَاعُهَا عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ ، وَالنُّصْحُ ضِدُّ الْغِشِّ .
وَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ السَّلَفِ عَنْهَا ، وَمَرْجِعُهَا إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=34وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=19704التَّوْبَةُ النَّصُوحُ أَنْ يَتُوبَ مِنَ الذَّنْبِ ثُمَّ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ ، كَمَا لَا يَعُودُ اللَّبَنُ إِلَى الضِّرْعِ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : هِيَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ نَادِمًا عَلَى مَا مَضَى ، مُجْمِعًا عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ فِيهِ ، وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : أَنْ يَسْتَغْفِرَ بِاللِّسَانِ ، وَيَنْدَمَ بِالْقَلْبِ ، وَيُمْسِكَ بِالْبَدَنِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : تَوْبَةً نَصُوحًا ، تَنْصَحُونَ بِهَا أَنْفُسَكُمْ ، جَعَلَهَا بِمَعْنَى نَاصِحَةٍ لِلتَّائِبِ ، كَضَرُوبِ الْمَعْدُولِ عَنْ ضَارِبٍ .
وَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَجْعَلُونَهَا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ ، أَيْ قَدْ نَصَحَ فِيهَا التَّائِبُ وَلَمْ يَشُبْهَا
[ ص: 317 ] بِغِشٍّ ، فَهِيَ إِمَّا بِمَعْنَى مَنْصُوحٍ فِيهَا ، كَرَكُوبَةٍ وَحَلُوبَةٍ ، بِمَعْنَى مَرْكُوبَةٍ وَمَحْلُوبَةٍ ، أَوْ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ ، أَيْ نَاصِحَةٌ كَخَالِصَةٍ وَصَادِقَةٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ : يَجْمَعُهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ : الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ ، وَالْإِقْلَاعُ بِالْأَبْدَانِ ، وَإِضْمَارُ تَرْكِ الْعَوْدِ بِالْجِنَانِ ، وَمُهَاجَرَةُ سَيْءِ الْإِخْوَانِ .
قُلْتُ :
nindex.php?page=treesubj&link=18248النُّصْحُ فِي التَّوْبَةِ يَتَضَمَّنُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ :
الْأَوَّلُ : تَعْمِيمُ جَمِيعِ الذُّنُوبِ وَاسْتِغْرَاقُهَا بِهَا بِحَيْثُ لَا تَدَعُ ذَنْبًا إِلَّا تَنَاوَلَتْهُ .
وَالثَّانِي : إِجْمَاعُ الْعَزْمِ وَالصِّدْقِ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَيْهَا ، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى عِنْدَهُ تَرَدُّدٌ ، وَلَا تَلَوُّمٌ وَلَا انْتِظَارٌ ، بَلْ يَجْمَعُ عَلَيْهَا كُلَّ إِرَادَتِهِ وَعَزِيمَتِهِ مُبَادِرًا بِهَا .
الثَّالِثُ : تَخْلِيصُهَا مِنَ الشَّوَائِبِ وَالْعِلَلِ الْقَادِحَةِ فِي إِخْلَاصِهَا ، وَوُقُوعُهَا لِمَحْضِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ ، وَالرَّغْبَةِ فِيمَا لَدَيْهِ ، وَالرَّهْبَةِ مِمَّا عِنْدَهُ ، لَا كَمَنْ يَتُوبُ لِحِفْظِ جَاهِهِ وَحُرْمَتِهِ ، وَمَنْصِبِهِ وَرِيَاسَتِهِ ، وَلِحِفْظِ حَالِهِ ، أَوْ لِحِفْظِ قُوَّتِهِ وَمَالِهِ ، أَوِ اسْتِدْعَاءِ حَمْدِ النَّاسِ ، أَوِ الْهَرَبِ مِنْ ذَمِّهِمْ ، أَوْ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ السُّفَهَاءُ ، أَوْ لِقَضَاءِ نَهْمَتِهِ مِنَ الدُّنْيَا ، أَوْ لِإِفْلَاسِهِ وَعَجْزِهِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْعِلَلِ الَّتِي تَقْدَحُ فِي صِحَّتِهَا وَخُلُوصِهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
فَالْأَوَّلُ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَتُوبُ مِنْهُ ، وَالثَّالِثُ يَتَعَلَّقُ بِمَنْ يَتُوبُ إِلَيْهِ ، وَالْأَوْسَطُ يَتَعَلَّقُ بِذَاتِ التَّائِبِ وَنَفْسِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19711فَنُصْحُ التَّوْبَةِ الصِّدْقُ فِيهَا ، وَالْإِخْلَاصُ ، وَتَعْمِيمُ الذُّنُوبِ بِهَا ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=27342التَّوْبَةَ تَسْتَلْزِمُ الِاسْتِغْفَارَ وَتَتَضَمَّنُهُ ، وَتَمْحُو جَمِيعَ الذُّنُوبِ ، وَهِيَ أَكْمَلُ مَا يَكُونُ مِنَ التَّوْبَةِ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ .