[ ص: 532 ] 290
ثم دخلت سنة تسعين ومائتين
ذكر
أخبار القرامطة
في هذه السنة في ربيع الآخر ، سير
طغج بن جف جيشا من
دمشق إلى
القرمطي ، عليهم غلام له اسمه
بشير ، فهزمهم
القرمطي ، وقتل
بشيرا .
وفيها حصر
القرمطي دمشق ، وضيق على أهلها ، وقتل أصحاب
طغج ، ولم يبق منهم إلا القليل ، وأشرف أهلها على الهلكة ، فاجتمع جماعة من أهل
بغداذ وأنهوا ذلك إلى الخليفة ، فوعدهم النجدة ، ( وأمد المصريون أهل
دمشق ببدر وغيره من القواد ) ، فقاتلوا الشيخ مقدم
القرامطة ، فقتل على باب
دمشق ، رماه بعض المغاربة بمزراق ، وزرقه نفاط بالنار فاحترق ، وقتل منهم خلق كثير .
وكان هذا القرمطي يزعم أنه إذا أشار بيده إلى جهة من التي فيها محاربوه انهزموا .
ولما قتل
يحيى المعروف بالشيخ وقتل أصحابه ، اجتمع من بقي منهم على أخيه
الحسين ، وسمى نفسه
أحمد ، وكناه
أبا العباس ، ودعا الناس فأجابه أكثر أهل البوادي وغيرهم ، فاشتدت شوكته ، وأظهر شامة في وجهه ، وزعم أنها آيته . فسار إلى
دمشق ، فصالحه أهلها على خراج دفعوه إليه وانصرف عنهم .
[ ص: 533 ] ثم سار إلى أطراف
حمص ، فغلب عليها ، وخطب له على منابرها ، وتسمى
nindex.php?page=showalam&ids=15346المهدي أمير المؤمنين ، وأتاه ابن عمه
عيسى بن المهدي ، المسمى عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل ، فلقبه المدثر وعهد إليه ، وزعم أنه المدثر الذي في القرآن ، ولقب غلاما من أهله المطوق ، وقلده قتل أسرى المسلمين .
ولما أطاعه أهل
حمص ، وفتحوا له بابها خوفا منه ، سار إلى
حماة ،
ومعرة النعمان ، وغيرهما ، فقتل أهلها ، وقتل النساء ، والصبيان . ثم سار إلى
بعلبك ، فقتل عامة أهلها ، ولم يبق منهم إلا اليسير . ثم سار إلى
سلمية فمنعه أهلها ، ثم صالحهم ، وأعطاهم الأمان ، ففتحوا له بابها ، فبدأ بمن فيها من
بني هاشم ، وكانوا جماعة ، فقتلهم أجمعين ، ثم قتل البهائم ، والصبيان بالمكاتب . ثم خرج منها ، وليس بها عين تطرف .
وسار فيما حولها من القرى يسبي ، ويقتل ويخيف السبيل . فذكر عن متطبب بباب المحول يدعى
أبا الحسين قال : جاءتني امرأة بعدما أدخل
القرمطي صاحب الشامة
بغداد ، وقالت : أريد أن تعالج جرحا في كتفي ; فقلت : ههنا امرأة تعالج النساء فانتظرتها ، فقعدت وهي باكية مكروبة ، فسألتها عن قصتها قالت : كان لي ولد طالت غيبته عني ، فخرجت أطوف عليه البلاد ، فلم أره ، فخرجت من
الرقة في طلبه ، فوقعت في عسكر
القرمطي أطلبه ، فرأيته ، فشكوت إليه حالي وحال إخوته ، فقال : دعيني من هذا ، أخبريني ما دينك ؟ فقلت : أما تعرف ما ديني ؟ فقال : ما كنا فيه باطل ، والدين ما نحن فيه اليوم ، فعجبت من ذلك ، وخرج وتركني ، ووجه بخبز [ ولحم ] فلم أمسه ، حتى عاد فأصلحه .
وأتاه رجل من أصحابه فسألني هل أحسن من أمر النساء شيئا ؟ فقلت : نعم ، فأدخلني دارا فإذا امرأة تطلق ، فقعدت بين يديها ، وجعلت أكلمها ولا تكلمني ، حتى ولدت غلاما ، فأصلحت من شأنه ، وتلطفت بها حتى كلمتني ، فسألتها عن حالها ، فقالت :
[ ص: 534 ] أنا امرأة هاشمية أخذنا هؤلاء الأقوام ، فذبحوا أبي ، وأهلي جميعا ، وأخذني صاحبهم ، فأقمت عنده ( خمسة أيام ) ، ثم أمر بقتلي ، فطلبني منه أربعة أنفس من قواده ، فوهبني لهم ، وكنت معهم ، فوالله ما أدري ممن هذا الولد منهم .
قالت : فجاء رجل ، فقالت لي : هنيه ، فهنيته ، فأعطاني سبيكة فضة ( وجاء آخر ، وآخر ، أهني كل واحد منهم ، ويعطيني سبيكة فضة ، ثم جاء الرابع ، ومعه جماعة ، فهنيته ، فأعطاني ألف درهم ، وبتنا ، فلما أصبحنا قلت للمرأة : قد وجب حقي عليك ، فالله الله خلصيني قالت : ممن أخلصك ؟ فأخبرتها خبر ابني ، فقالت : عليك بالرجل الذي جاء آخر القوم ، فأقمت يومي ، فلما أمسيت ، وجاء الرجل قمت له ، وقبلت يده ورجله ، ووعدته أنني أعود بعد أن أوصل ما معي إلى بناتي ; فدعا قوما من غلمانه ، وأمرهم بحملي إلى مكان ذكره ، وقال : اتركوها فيه وارجعوا ; فساروا بي عشرة فراسخ ، فلحقنا ابني ، فضربني بالسيف ، فجرحني ، ومنعه القوم ، وساروا بي إلى المكان الذي سماه لهم صاحبهم ، وتركوني ، وجئت إلى ههنا .
قالت : ولما قدم الأمير
بالقرامطة وبالأسارى رأيت ابني فيهم على جمل عليه برنس ، وهو يبكي ، فقلت : لا خفف الله عنك ولا خلصك .
ثم إن كتب أهل
الشام ،
ومصر وصلت إلى
المكتفي يشكون ما يلقون من
القرمطي من القتل والسبي ، وتخريب البلاد ، فأمر الجند بالتأهب وخرج من
بغداذ ، في رمضان ، وسار إلى
الشام وجعل طريقه على
الموصل ، وقدم بين يديه أبا الأغر في عشرة آلاف رجل ، فنزل قريبا من
حلب ، فكبسهم
القرمطي صاحب الشامة ، فقتل منهم خلقا كثيرا ، وسلم
أبو الأغر ، فدخل
حلب في ألف رجل ، وكانت هذه الوقعة في رمضان ، وسار
القرمطي إلى باب
حلب ، فحاربه
أبو الأغر بمن بقي معه وأهل البلد ، فرجع عنهم .
وسار
المكتفي حتى نزل
الرقة ، وسير الجيوش إليه ، وجعل أمرهم إلى
محمد بن سليمان الكاتب .
[ ص: 535 ] وفيها ، في شوال تحارب
القرمطي صاحب الشامة ،
وبدر مولى ابن طولون ، فانهزم
القرمطي ، وقتل من أصحابه خلق كثير ، ومضى من سلم منهم نحو البادية . فوجه
المكتفي في أثرهم
الحسين بن حمدان ، وغيره من القواد .
وفيها
كبس ابن بانوا أمير
البحرين حصنا
للقرامطة ، فظفر بمن فيه ، وواقع قرابة
أبي سعيد الجنابي ، فهزمه
ابن بانوا ، وكان مقام هذا
القرمطي بالقطيف ، وهو ولي عهد
أبي سعيد ، ثم أنه وجد بعدما انهزم أصحابه قتيلا ، فأخذ رأسه ، وسار
ابن بانوا إلى
القطيف ، فافتتحها .