77- تعريف الفئة بأجوبة الأسئلة المائة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفى . وبعد فإني رجل حبب إلي العلم والنظر فيه دقيقه وجليله ، والغوص على حقائقه ، والتطلع إلى إدراك دقائقه ، والفحص عن أصوله ، وجبلت على ذلك ، فليس في منبت شعرة إلا وهي ممحونة بذلك ، وقد أوذيت على ذلك أذى كثيرا من الجاهلين والقاصرين ، وذلك سنة الله في العلماء السالفين ، فلم يزالوا مبتلين بأسقاط الخلق وأراذلهم ، وبمن هو من طائفتهم ممن لم يرتق إلى محلهم . ومن المعلوم في كتب الحديث والتاريخ ما قاساه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من
نافع بن الأزرق ، وما أسمعه من الأذى وما تعنته به من الأسئلة ، وأسئلة
نافع بن الأزرق nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس مشهورة مروية لنا بالإسناد المتصل ، مدونة في ثلاث كراريس ، وقد سقت غالبها في الإتقان ، وقول
نافع لرفيقه لما أراد تعنت
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : قم بنا إلى هذا الذي نصب نفسه لتفسير القرآن بغير علم حتى نسأله . ورد
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عليه بأبلغ رد .
[ ص: 362 ] ومن المعروف في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره ما قاساه
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المشهود لهم بالجنة من جهال
أهل الكوفة وشكواهم إياه
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب ، حتى قال له
عمر : شكوك في كل شيء حتى قالوا : إنك لا تحسن أن تصلي! فانظروا بالله الذين أسلموا البارحة يزعمون في صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي كان يسمى ثلث الإسلام أو ربعه - أنه لا يحسن الصلاة ، وكذلك من المعلوم ما قاساه الإمام
مالك من أهل عصره لما برز عليهم ، وما قاساه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من أهل
مصر لما ألف الرد على
مالك واضطراب البلد حتى كاد البلد يفتتن ، وما قاساه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من أنداده ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي من أعدائه وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين ، وقد اجتمعوا كلهم عند الله ، وظهر لهم المحق من المبطل ، والأرفع رتبة عند الله من غيره ، وظهر لنا مصداق ذلك في هذه الدار ببقاء كلام هذه الأئمة وانتشاره ، وظهوره واضمحلال من رد عليهم وطمس ذلك ودثوره .
وهذه الأسئلة قد رفعت إلي ، وهي محتاجة إلى فضل نظر وسعة اطلاع ، فأجبت عنها أولا نثرا ، ثم أعقده نظما ، فأقول : أما السؤال الأول ، فقد ورد علي من مدة وأجبت عنه بما نصه : الإعداد في هذه الآية مرتب على المسلمين الموصوفين بكل ما ذكر في الآية من الصفات ، لا على فرد فرد من الصفات ، والمعطوفات من عطف الصفة لا من عطف الذوات ، والمراد بهم البالغون درجة الكمال من هذه الأمة ، والمراد بالمعد أكمل ما أعد ; بدليل تنكير مغفرة الدال على التعظيم ، وتنكير أجر الدال عليه أيضا ووصفه تعظيما ، وإذا قال الله لشيء عظيم فهو عظيم جدا لا يعبر عنه ، وذلك أبلغ مما أعد للمسلمين الذين لم يتصفوا بكل هذه الصفات أو ببعضها ، فإن أجرهم دون ذلك ، هذا من حيث الاستنباط المأخوذ من قواعد العربية والمعاني ، وأما من حيث النقل عن العلماء فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في بعض كلامه : إن الموعود في القرآن بالجنة لم يقع مرتبا على مجرد الإسلام أو الإيمان ، بل لم يقع إلا مقرونا باشتراط انضمام الأعمال إليه ، ذكر ذلك في معرض الحث على الأعمال ، فهذا يدل على الأعمال الواقعة في هذه الآية ، كل منها جزء المحكوم عليه ، وليس كل منها محكوما عليه استقلالا ، ويؤيده أيضا من حيث الاستنباط أنه لو كان كل فرد محكوما عليه استقلالا لزم الحكم على فرد من الأعمال كالصوم أو الصدقة المذكور في الآية مجردا عن الوصف المصدر به ، وهو الإسلام والإيمان ، وهو باطل ، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم .
فإن قال قائل : هذا مستثنى لا بد من اعتباره لما دل عليه من خارج ، قلت : والباقي
[ ص: 363 ] وأساليب البيان ، وغير ذلك من
الأمور المشترطة في الاجتهاد أنتجت للمجتهد أن الإعداد مرتب على المجموع لا على كل فرد فرد ، والله أعلم .