[ ص: 247 ] فصل
وإن قلنا : يجوز
الاستئجار على الحج ، فاستؤجر رجل ، فإنه يعتبر له شروط الإجارة من معرفة الأجرة ، وعقد الإجارة ، وتملك الأجرة بالعقد فيتصرف بما شاء ، ويجب العمل في ذمته ، فلو أحصر أو ضل الطريق أو ضاعت النفقة كان من ضمانه ، وإن مات انفسخت الإجارة ، واستحق من الأجرة بقدر ما قطع من الطريق ، ويتمم الحج من حيث بلغ ، ذكره القاضي ، وما لزمه من الدماء فهو عليه ؛ لأن الحج مستحق عليه ، وإن أخذها جعالة بأن
يقال له : إن حججت فلك هذا الجعل فهذا عقد جائز لا يملك به العوض إلا بعد الفراغ من العمل ، ولا يجب في ذمته شيء ، وإن عاقه عائق عن تمام الحج لم يكن له شيء ، ولا عليه شيء ، قال
أحمد في رواية
محمد بن موسى : إذا أخذ حجة عشرين دينارا فلما بلغ
الكوفة مرض فرجع فإنه يرد عليهم جميع ما أخذ ، ولا يحتسب منه ما أنفق فإن تلف منه أو ضل الطريق فهذا يضمن ذلك ، وهذا إنما يكون إذا كانت جعالة ؛ لأنه لم يوجب عليه إتمام الحج ، ولا احتسب له بما أنفق ، وجعل التالف من ضمانه ، وهذه أحكام الأجعال ، وإن أخذها نفقة ، سواء قلنا تصح الإجارة أو لا تصح فإنه يكون بمنزلة الوكيل .
والنائب المحض كالنائب في القضاء والأعمال العامة ، ويكون ما يأخذه
[ ص: 248 ] بمنزلة الرزق الذي يرزقه الأئمة ، والقضاة ، والمؤذنون ، فلو تلف أو ضل الطريق أو مات أو مرض لم يكن عليه ضمان ما أنفق ، ولو تلف بغير تفريط منه لم يضمن ، ولم يكن عليه إتمام بقية العمل ، ويحسب للمستنيب بما عمله ، وعلى هذا أكثر نصوصه .
قال في رواية
ابن منصور في
رجل أعطي دراهم يحج بها عن إنسان فمات في بعض الطريق فليس عليه شيء مما أنفق ، ويحجوا بالباقي من حيث بلغ هذا الميت .
وقال في رواية
أحمد بن الحسين : إذا
دفع إلى رجل مالا يحج به عن رجل فضاع منه في بعض الطريق فلا غرم عليه ، قيل له : فيجزي عن
[ ص: 249 ] الموصي حجته ؟ قال : ما أدري أخبرك ، أرجو إن شاء الله ، وكذلك نقل الميموني .
وإذا لم يقدر له النفقة ، فإنه ينفق بالمعروف ، ويرد ما فضل ، قال
أحمد : الذي يأخذ دراهم يحج لا يمشي ، ولا يقتر ، ولا يسرف إذا كان ورثته صغارا .
وقال في
رجل أخذ حجة عن ميت ففضل معه فضلة : يردها ، ولا يناهد أحدا إلا بقدر ما لا يكون مسرفا ، ولا يدعو إلى طعامه ، ولا يتفضل ، ثم قال : أما إذا أعطي ألف درهم أو كذا وكذا ، فقيل له : حج بهذا - فله أن يتوسع فيها ، وإن فضل شيء فهو له .
وإذا
قال الميت : حجوا عني حجة بألف فدفعوها إلى رجل فله أن يتوسع فيها ، وما فضل فهو له ، وهذه النفقة أمانة بيده له أن ينفق منها بالمعروف ، وإنما تقدر بأمر الميت أو المستنيب الحي أو بتقدير الورثة إذا كانوا كبارا فإن كان فيهم يتيم فليس لهم أن يقولوا ما فضل فهو لك ، وليس له أن يتوسع بإذنهم وغير إذنهم إذا كان في الورثة صغار ؛ إلا أن يتبرع الكبار بشيء من حصتهم .
ولا يملك الفاضل إلا بعد الحج ، فليس له أن يتصرف فيه قبل ذلك .
[ ص: 250 ] قال - في رواية
أبي طالب - : إذا قال حجوا عني بألف فما فضل من الألف رده على الحج ، ولو قال : حجوا عني حجة بألف فما فضل فهو للذي يحج ، وإذا قال : حجوا عني حجة فما فضل مما دفع إليه رد إلى الورثة ، وإذا دفع إلى الرجل حجة ، فقال : ما فضل لك ، فأخذها الرجل فاشترى بها متاعا يتجر به قال : لا يجوز له ، قد خالف ، إنما قال له امض فما فضل فهو لك ، لم يقل اتجر قبل .
وهل لهذا الذي قدر له النفقة أن يقتر على نفسه أو أن يمشي ؟