[ ص: 136 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى : ( فإن تطهر منه صحت طهارته ; لأن المنع لخوف الضرر ، وذلك لا يمنع صحة الوضوء كما لو توضأ بماء يخاف من حره أو برده ) .
" الشرح " أما صحة الطهارة فمجمع عليه ، وقوله ; لأن المنع لخوف الضرر ، وذلك لا يمنع صحة الوضوء معناه : أن النهي ليس راجعا إلى نفس المنهي عنه ، بل لأمر خارج وهو الضرر ، وإذا كان النهي لأمر خارج لا يقتضي الفساد على الصحيح المختار لأهل الأصول من أصحابنا وغيرهم ، فإن قيل : لا حاجة إلى قوله : لا يمنع صحة الوضوء ; لأن كراهة التنزيه لا تمنع الصحة قلنا : هذا خطأ ; لأن الكراهة نهي مانع من الصحة ، سواء كان نهي تحريم أو تنزيه إلا أن يكون لأمر خارج ، فلهذا علل المصنف بأنه لأمر خارج ، ومما حكم فيه بالفساد لنهي التنزيه الصلاة في وقت النهي ، فإنها كراهة تنزيه ولا تنعقد على أصح الوجهين كما سنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى .
وأما قوله : كما لو توضأ بماء يخاف حره أو برده فمعناه : أنه يكره ويصح الوضوء ، وهذان الأمران متفق عليهما عندنا ودليل الكراهة : أنه يتعرض للضرر ; ولأنه لا يمكنه استيفاء الطهارة على وجهها .
( فرع ) في قول المصنف : " ولا يكره من ذلك إلا ما قصد إلى تشميسه " تصريح بما صرح به أصحابنا وهو : أنه لا تكره الطهارة بماء البحر ولا بماء زمزم ولا بالمتغير بطول المكث ولا بالمسخن ما لم يخف الضرر لشدة حرارته سواء سخن بطاهر أو نجس ، وهذه المسائل كلها متفق عليها عندنا ، وفي كلها خلاف لبعض السلف ، فأما ماء البحر فجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم : على أنه لا يكره كمذهبنا ، وحكى الترمذي في جامعه nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر في الأشراف وغيرهما عن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر بن الخطاب [ ص: 137 ] nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو بن العاص : رضي الله عنهم أنهما كرها الوضوء به ، وحكاه أصحابنا أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب واحتج لهم بحديث روي عن nindex.php?page=showalam&ids=13ابن عمرو عن النبي : صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=16641تحت البحر نار وتحت النار بحر حتى عد سبعة وسبعة } رواه أبو داود في سننه ، واحتج أصحابنا بحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=39003هو الطهور ماؤه } وبحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=15092الماء طهور } ; ولأنه لم يتغير عن أصل خلقته فأشبه غيره ، وأما حديث تحت البحر نار فضعيف باتفاق المحدثين ، وممن بين ضعفه nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر ، ولو ثبت لم يكن فيه دليل ولا معارضة بينه وبين حديث هو الطهور ماؤه . وأما زمزم فمذهب الجمهور كمذهبنا : أنه لا يكره الوضوء والغسل به ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رواية بكراهته ; لأنه جاء عن nindex.php?page=showalam&ids=18العباس رضي الله عنه أنه قال وهو عند زمزم : " لا أحله لمغتسل ، وهو لشارب حل وبل " ودليلنا : النصوص الصحيحة الصريحة المطلقة في المياه بلا فرق ، ولم يزل المسلمون على الوضوء منه بلا إنكار ، ولم يصح ما ذكروه عن nindex.php?page=showalam&ids=18العباس ، بل حكي عن أبيه عبد المطلب ولو ثبت عن nindex.php?page=showalam&ids=18العباس لم يجز ترك النصوص به .
وأجاب أصحابنا : بأنه محمول على أنه قاله في وقت ضيق الماء لكثرة الشاربين .
وأما المتغير بالمكث فنقل nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر الاتفاق على أنه لا كراهية فيه إلا nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين فكرهه ، ودليلنا النصوص المطلقة ; ولأنه لا يمكن الاحتراز منه فأشبه المتغير بما يتعذر صونه عنه .
وأما المسخن فالجمهور : أنه لا كراهة وحكى أصحابنا عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد كراهته ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد كراهة المسخن بنجاسة ، وليس لهم دليل فيه روح ، ودليلنا النصوص المطلقة ولم يثبت نهي .
قلت : فاستعمال ماء هذه الآبار المذكورة في طهارة وغيرها مكروه أو حرام إلا لضرورة ; لأن هذه سنة صحيحة لا معارض لها ، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إذا صح الحديث فهو مذهبي ، فيمنع استعمال آبار الحجر إلا بئر الناقة ، ولا يحكم بنجاستها ; لأن الحديث لم يتعرض للنجاسة ، والماء طهور بالأصالة ، وهذه المسألة ترد على قول المصنف : لا يكره من ذلك إلا ما قصد إلى تشميسه ، وكذلك يرد عليه : شديد الحرارة والبرودة والله أعلم