قال
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب :
[ ص: 70 ] وأفضل المذاكرة مذاكرة الليل وكان جماعة من السلف يفعلون ذلك ، وكان جماعة منهم يبدءون من العشاء فربما لم يقوموا حتى يسمعوا أذان الصبح . وينبغي أن يبدأ من دروسه على المشايخ ، وفي الحفظ والتكرار والمطالعة بالأهم فالأهم ، وأول ما يبتدئ به حفظ القرآن العزيز فهو أهم العلوم ، وكان السلف لا يعلمون الحديث والفقه إلا لمن يحفظ القرآن ، وإذا حفظه فليحذر من الاشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما اشتغالا يؤدي إلى نسيان شيء منه . أو تعريضه للنسيان . وبعد حفظ القرآن يحفظ من كل فن مختصرا ، ويبدأ بالأهم ، ومن أهمها الفقه والنحو ، ثم الحديث والأصول ، ثم الباقي على ما تيسر ، ثم يشتغل باستشراح محفوظاته ، ويعتمد من الشيوخ في كل فن أكملهم في الصفات السابقة ، فإن أمكنه شرح دروس في كل يوم فعل ، وإلا اقتصر على الممكن من درسين أو ثلاثة وغيرها ، فإذا اعتمد شيخا في فن وكان لا يتأذى بقراءة ذلك الفن على غيره فليقرأ أيضا على ثان وثالث وأكثر ما لم يتأذوا ، فإن تأذى المعتمد اقتصر عليه ، وراعى قلبه فهو أقرب إلى انتفاعه ، وقد قدمنا أنه ينبغي أن لا يتأذى من هذا . وإذا بحث المختصرات ، انتقل إلى بحث أكبر منها مع المطالعة المتقنة ، والعناية الدائمة المحكمة ، وتعليق ما يراه من النفائس والغرائب وحل المشكلات مما يراه في المطالعة أو يسمعه من الشيخ . ولا يحتقرن فائدة يراها أو يسمعها في أي فن كانت ، بل يبادر إلى كتابتها ثم يواظب على مطالعة ما كتبه ، وليلازم حلقة الشيخ وليعتن بكل الدروس ، ويعلق عليها ما أمكن ، فإن عجز اعتنى بالأهم ، ولا يؤثر بنوبته ، فإن الإيثار بالقرب مكروه ، فإن رأى الشيخ المصلحة في ذلك في وقت فأشار به امتثل أمره .
وينبغي أن يرشد رفقته وغيرهم من الطلبة إلى مواطن الاشتغال والفائدة ، ويذكر لهم ما استفاده على جهة النصيحة والمذاكرة ، وإرشادهم . يبارك له في علمه ، ويستنير قلبه ، وتتأكد المسائل معه ، مع جزيل ثواب الله - عز وجل - ومتى بخل بذلك كان بضده ، فلا يثبت معه ، وإن ثبت لم يثمر . ولا يحسد أحدا ولا يحتقره ، ولا يعجب بفهمه ، وقد قدمنا هذا في آداب المعلم .
فإذا فعل ما ذكرناه وتكاملت أهليته واشتهرت فضيلته اشتغل بالتصنيف وجد في الجمع والتأليف محققا كل ما يذكره ، متثبتا في نقله واستنباطه ، متحريا إيضاح العبارات ، وبيان المشكلات ، متجنبا العبارات الركيكات ، والأدلة الواهيات ، مستوعبا معظم أحكام ذلك الفن ، غير مخل بشيء من أصوله ، منبها على القواعد ، فبذلك تظهر له الحقائق ، وتنكشف المشكلات ، ويطلع على الغوامض وحل المعضلات ، ويعرف مذاهب العلماء ، والراجح من المرجوح ، ويرتفع عن الجمود على محض التقليد ، ويلتحق بالأئمة المجتهدين أو يقاربهم إن وفق لذلك ، وبالله التوفيق .