[ ص: 408 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى ( فإن كان ملتحيا نظرت فإن كانت لحيته خفيفة لا تستر البشرة . وجب غسل الشعر والبشرة للآية ، وإن كانت كثيفة تستر البشرة وجب إفاضة الماء على الشعر ، لأن المواجهة تقع به ولا يجب غسل ما تحته لما روى nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=17007توضأ فغرف غرفة وغسل بها وجهه } وبغرفة واحدة لا يصل الماء إلى ما تحت الشعر مع كثافة اللحية ، ولأنه باطن دونه حائل معتاد فهو كداخل الفم والأنف ، والمستحب أن يخلل لحيته لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=43750كان يخلل لحيته } فإن كان بعضها خفيفا وبعضها كثيفا غسل ما تحت الخفيف وأفاض الماء على الكثيف ) .
( الشرح ) في هذه القطعة مسائل : ( إحداها ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه وقوله : وبغرفة واحدة لا يصل الماء مع كثافة اللحية ، معناه أن لحيته الكريمة كانت كثيفة ، وهذا صحيح معروف ، وأما قوله : إن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=43750كان يخلل لحيته } فصحيح رواه الترمذي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه وقال : حسن صحيح ، وفي تخليل اللحية أحاديث كثيرة . وينكر على المصنف قوله : روي بصيغة تمريض مع أنه حديث صحيح .
( الثانية ) اللحية بكسر اللام وجمعها لحى بضم اللام وكسرها وهو أفصح وهي الشعر النابت على الذقن ، قاله المتولي والغزالي في البسيط وغيرهما ، وهو ظاهر معروف ، لكن يحتاج إلى بيانه بسبب الكلام في العارضين كما سنوضحه إن شاء الله تعالى - : ، وقد سبق أن البشرة ظاهر الجلد ، والكثة والكثيفة بمعنى ، وقوله لأنه باطن ، احتراز من اليد والرجل ، وقوله : دونه حائل ، احتراز من الثقب في موضع الطهارة فإنه يجب غسل داخله ، وقوله : " معتاد " احتراز من اللحية الكثة لامرأة .
( الثالثة ) اللحية الكثيفة يجب غسل ظاهرها بلا خلاف ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة تحته ، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله وقطع به جمهور الأصحاب في الطرق كلها وهو مذهب [ ص: 409 ] nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم . وحكى الرافعي قولا ووجها أنه يجب غسل البشرة وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد : غلط بعض الأصحاب فظن nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ذكر هذا عن مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - قال : وليس كذلك ، وإنما حكى مذهب نفسه وانفرد هو nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور في هذه المسألة ، ولم يتقدمهما فيها أحد من السلف .
( قلت ) قد نقله nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي عن nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه أيضا وهو أكبر منهما ، واحتج لهم بحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المذكور في الفرع الثالث بعد هذه المسألة ، وقوله : { nindex.php?page=hadith&LINKID=24068فخلل لحيته وقال : هكذا أمرني ربي } وبالقياس على غسل الجنابة وعلى الشارب والحاجب . واحتج الأصحاب بما ذكره المصنف من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والقياس وأجابوا عن غسل الجنابة بأنها أغلظ ولهذا وجب غسل كل البدن ولم يجز مسح الخف بخلاف الوضوء ، ولأن الوضوء يتكرر فيشق غسل البشرة فيه مع الكثافة بخلاف الجنابة ، وأما الشارب والحاجب فكثافته نادرة ولا يشق إيصال الماء إليه بخلاف اللحية . وإن كانت اللحية خفيفة وجب غسل ظاهرها وباطنها والبشرة تحتها بلا خلاف عندنا ، وإن كان بعضها خفيفا وبعضها كثيفا فلكل بعض منهما حكمه لو كان متمخضا فللكثيف حكم اللحية الكثيفة وللخفيف حكم اللحية الخفيفة ، هذا هو المذهب الصحيح وبه قطع الأصحاب في الطرق . وقال الماوردي : إن كان الكثيف متفرقا بين الخفيف لا يمتاز ولا ينفرد عنه وجب إيصال الماء إلى جميع الشعر والبشرة ، وحكىnindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجها أن للجميع حكم الخفيف مطلقا ، وحكى الإمام nindex.php?page=showalam&ids=14636أبو سهل الصعلوكي نصا عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله أن من كان جانبا لحيته خفيفين وبينهما كثيف وجب غسل البشرة كلها كالحاجب ، وهذا نص غريب جدا وقد ذكرته في طبقات الفقهاء في ترجمة عمر القصاب والله أعلم .
( فرع ) في ضبط اللحية الكثيفة والخفيفة أوجه ( أحدها ) ما عده [ ص: 410 ] الناس خفيفا فخفيف ، وما عدوه كثيفا فهو كثيف . ذكره القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين في تعليقه وهو غريب .
( والثاني ) ما وصل الماء إلى ما تحته بلا مشقة فهو خفيف . وما لا فكثيف ، حكاه الخراسانيون .
( والثالث ) وهو الصحيح وبه قطع العراقيون والبغوي وآخرون وصححه الباقون وهو ظاهر نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن ما ستر البشرة عن الناظر في مجلس التخاطب فهو كثيف وما لا فخفيف .
( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يجب غسل اللحية الخفيفة والبشرة تحتها ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود ، قال بعض أصحابنا : وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله : لا يجب غسل ما تحتها كداخل الفم ، وكما سوينا بين الخفيف والكثيف في الجنابة وأوجبنا غسل ما تحتهما فكذا نسوي بينهما في الوضوء فلا نوجبه ، واحتج أصحابنا بقول الله تعالى - : { فاغسلوا وجوهكم } وهذه البشرة من الوجه ويقع بها المواجهة ، ولأنه موضع ظاهر من الوجه فأشبه الخد ، ويخالف الكثيف فإنه يشق إيصال الماء إليه بخلاف هذا . والجواب عن داخل الفم أنه يحول دونه حائل أصلي فأسقط فرض الوضوء ، واللحية طارئة والطارئ إذا لم يستر الجميع لم يسقط الفرض كالخف المخرق ، والجواب عن غسل الجنابة أن المعتبر في الموضعين المشقة وعدمها ، فلما كانت الجنابة قليلة أوجبنا ما تحت الشعور كلها بعدم المشقة فكذا ما تحت الخفيف في الوضوء بخلاف الكثيف والله أعلم .