قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن عجز عن الرمي بنفسه لمرض مأيوس منه أو غير مأيوس ، جاز أن يستنيب من يرمي عنه ، لأن وقته مضيق ، وربما مات قبل أن يرمي بخلاف الحج فإنه على التراخي ، ولا يجوز لغير المأيوس أن يستنيب لأنه قد يبرأ فيؤديه بنفسه ، والأفضل أن يضع كل حصاة في يد النائب ويكبر ، ويرمي النائب ، فإن رمى عنه النائب ثم برئ من المرض فالمستحب أن يعيد بنفسه ، وإن أغمي عليه فرمى عنه غيره فإن كان بغير إذنه لم يجزه ، وإن كان [ قد ] أذن له قبل أن يغمى عليه جاز ) .
( الشرح ) فيه مسألتان ( إحداهما ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب [ ص: 219 ] رحمهم الله : العاجز عن الرمي بنفسه لمرض أو حبس ونحوهما يستنيب من يرمي عنه لما ذكره المصنف ، وسواء كان المرض مرجو الزوال أو غيره لما ذكره المصنف ، وسواء استناب بأجرة أو بغيرها ، وسواء استناب رجلا أو امرأة . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب . ويستحب أن يناول النائب الحصى إن قدر ، ويكبر العاجز ، ويرمي النائب ، ولو ترك المناولة مع قدرته صحت الاستنابة وأجزأه رمي النائب لوجود العجز عن الرمي قال أصحابنا في الطريقتين : ويجوز للمحبوس الممنوع من الرمي الاستنابة فيه سواء كان محبوسا بحق أو بغيره ، وهذا متفق عليه ، وعللوه بأنه عاجز . ثم إن جمهور الأصحاب في طريقتي العراق وخراسان أطلقوا جواز الاستنابة للمريض سواء كان مأيوسا من برئه أم لا ، وقال إمام الحرمين والرافعي وغيره من متابعي الإمام : إنما تجوز النيابة لعاجز بعلة لا يرجى زوالها قبل خروج وقت الرمي . قالوا : ولا يضر رجاء الزوال بعد فوات الوقت . وهذا الذي قاله الإمام ومتابعوه متعين ، وإطلاق الأصحاب محمول عليه . ولا يمنع من هذا قولهم فلو زال العجز في أيام الرمي لزمه رمي ما بقي ، لأنه قد لا يرجى زواله في أيام الرمي ثم يزول نادرا ، والله أعلم .
( المسألة الثانية ) لو أغمي على المحرم قبل الرمي ولم يكن أذن في الرمي عنه لم يصح الرمي عنه في إغمائه بلا خلاف ، وإن كان أذن فيه جاز الرمي عنه . هذا هو المذهب ، وبه قطع الجماهير في الطريقتين . ونقل الرافعي فيه وجها شاذا ضعيفا أنه لا يجوز . وحكى إمام الحرمين الجواز عن العراقيين فقال : قال العراقيون : لو استناب العاجز عن الرمي وصححنا الاستنابة فأغمي على المستنيب دامت النيابة وإن كان مقتضى الإغماء الطارئ على إذن انقطاع إذنه إذا كان أصل الإذن جائزا للوكالة ، ولكن الغرض هنا إقامة النائب مقام العاجز ، قال : وما ذكروه محتمل جدا ولا يمتنع خلافه . قال : وقد قالوا : لو استناب المعضوب في حياته من يحج عنه ثم [ ص: 220 ] مات المعضوب لم تنقطع الاستنابة . هكذا ذكروه في الإذن المجرد ، وهو بعيد ، ولكن لو فرض في الإجارة فالإجارة تبقى ولا تنقطع ، لأن الاستئجار عن الميت بعد موته ممكن فلا منافاة . وقد استحق منفعة الأجير ، قال : والذي ذكروه في الإذن جائز وهو محتمل في الإغماء بعيد في الموت ، هذا كلام الإمام . ثم إن الأصحاب في الطريقتين أطلقوا أنه إذا استناب قبل الإغماء جاز رمي النائب عنه في الإغماء كما ذكرنا . وقال الماوردي : إن كان حين أذن مطيقا للرمي لم يصح الرمي عنه في الإغماء لأن المطيق لا تصح النيابة عنه فلم يصح إذنه ، وإن كان حين الإذن عاجزا بأن كان مريضا فأذن ثم أغمي عليه صحت النيابة ، وصح رمي النائب . هذا كلام الماوردي ، ونقله الروياني في البحر عن الأصحاب ، وأشار إليه أبو علي البندنيجي وآخرون . وفي كلام إمام الحرمين الذي حكيته عنه الآن موافقته ، فليحمل إطلاق الأصحاب على من استناب في حال العجز ثم أغمي عليه . والله أعلم .
واتفق الأصحاب على أنه لو أذن في حال إغمائه لم يصح إذنه ، وإن رمي عنه بذلك الإذن لم يصح ، لأن إذنه لم يصح ، لأن إذنه ساقط في كل شيء والله أعلم .
والمجنون كالمغمي عليه في كل هذا ، صرح به المتولي وغيره .
( فرع ) استدل أصحابنا على جواز الاستنابة في الرمي بالقياس على الاستنابة في أصل الحج . قالوا : والرمي أولى بالجواز .
( فرع ) قال أصحابنا : وينبغي أن يستنيب العاجز حلالا أو من قد رمى عن نفسه فإن استناب من لم يرم عن نفسه ، فينبغي أن يرمي النائب [ ص: 221 ] عن نفسه ، ثم عن المستنيب فيجزئهما الراميان بلا خلاف ، فلو اقتصر على رمي واحد وقع عن الرامي لا عن المستنيب . هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور . وقال الماوردي والروياني : إذا رمى النائب عن المستنيب ثم عن نفسه رميا آخر أجزأه الرمي عن نفسه ، وفي الرمي المحسوب عن نفسه وجهان ( أحدهما ) أنه الرمي الثاني ، لأنه الذي قصده عن نفسه ( والثاني ) الأول ، لأن من عليه نسك إذا فعله عن غيره وقع عن نفسه كأصل الحج والطواف . قالا : وفي رميه عن المستنيب وجهان .
( أحدهما ) لا يجزئه عنه ، لأنا إن جعلنا الرمي الأول عن النائب فلم يقصد بالثاني ، وإن جعلنا الثاني عن النائب فقد رمى عن غيره قبل الرمي عن نفسه فلا يصح .
( والوجه الثاني ) أنه يجزئ الرمي عن المريض ، لأن المريض أخف من أصل الحج وأركانه ، فجاز فعله عن غيره مع بقائه على نفسه .
( فرع ) إذا رمى النائب ثم زال عذر المستنيب وأيام الرمي باقية فطريقان ( أصحهما ) وهو المنصوص وبه قطع المصنف والجمهور لا يلزمه إعادة الرمي بنفسه لكن يستحب له ، وإنما لم يلزمه لأن رمي النائب وقع عنه فسقط به الفرض .
( والطريق الثاني ) فيه قولان ( أحدهما ) يلزمه إعادة الرمية بنفسه ولا يجزئه فعل النائب ( والثاني ) لا يلزمه . قالوا : وهما كالقولين في المعضوب إذا أحج عنه ثم برئ . وممن حكى هذا الطريق وجزم به الفوراني والبغوي ووالده وصاحب البحر وحكاه أيضا طائفة وضعفته . ثم إن الخلاف في الرمي الذي فعله النائب قبل زوال العذر . أما الرمي الذي يدركه المستنيب بعد زوال عذره فيلزمه فعله بلا خلاف صرح به الماوردي والأصحاب ، والله أعلم .