( الشرح ) أما حديث المقدام فحسن رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهم بمعناه بأسانيد حسنة وروى أبو داود والترمذي وغيرهما عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=35125مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما } قال الترمذي : حديث حسن صحيح وروى أبو داود وغيره مثله من رواية عثمان ، وفيه أحاديث كثيرة جمعتها في جامع السنة . وأما راوي الحديث فهو المقدام بكسر الميم وآخره ميم أخرى وكرب بفتح الكاف ، وكسر الراء ويجوز صرفه وترك صرفه وجهان مشهوران لأهل العربية [ ص: 442 ] وفيه وجه ثالث أن الباء مضمومة بكل حال ، وأما ياء معدي فساكنة بكل حال ، والمقدام من مشهوري الصحابة رضي الله عنهم وهو كندي شامي حمصي يكنى أبا كريمة وقيل : أبا صالح ، وقيل : أبا يحيى ، وقيل nindex.php?page=showalam&ids=11937أبا بشر ، والأول أشهر ، توفي سنة سبع وثمانين ، ابن إحدى وتسعين سنة .
وأما الحديث الثاني وهو قوله : " روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه وأمسك مسبحتيه بأذنيه } فهو موجود في نسخ المهذب المشهورة وليس موجودا في بعض النسخ المعتمدة وهو حديث ضعيف أو باطل لا يعرف ، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : وهنا نكتة خفيت على أهل العناية بالمهذب وهي أن مصنفه رجع عن الاستدلال بهذا الحديث وأسقطه عن المهذب فلم يفد ذلك بعد انتشار الكتاب ، قال : وجدت بخط بعض تلامذته في هذه المسألة من تعليقه في الخلاف في الحاشية عند استدلاله بهذا الحديث قال الشيخ : ليس له أصل في السنن فيجب أن تضربوا عليه ، وفي المهذب فإني صنفته من عشر سنين وما عرفته . قال أبو عمرو بن الصلاح : وبلغني أن هذا الحديث مضروب عليه في أصل المصنف الذي هو بخطه . ويغني عن هذا حديث nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد أنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=19063رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه } حديث حسن رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وقال : إسناده صحيح . وأما حديث الأعرابي فصحيح تقدم بيانه في فصل المضمضة والله أعلم .
وقوله : ( جحري أذنيه ) هو بضم الجيم وإسكان الحاء وهو الثقب المعروف ، وفي رواية أبي داود وغيره { nindex.php?page=hadith&LINKID=21208صماخي أذنيه } بدل جحري وهو تفسير له ، والأذن بضم الذال ويجوز إسكانها كما سبق في غسل الوجه مشتقة من الأذن بفتح الهمزة والذال وهو الاستماع ، والصماخ بكسر الصاد ويقال السماخ بالسين لغتان الصاد أفصح وأشهر ، وادعى nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت nindex.php?page=showalam&ids=13436وابن قتيبة أنه لا يجوز بالسين . وقول المصنف : وقال في الأم ، كذا وقع في المهذب وقال بواو العطف وهو صحيح ، وقوله : ولأنه عضو تميز عن الرأس في الاسم والخلقة ، احترز بالاسم عن الناصية وبالخلقة عن النزعتين والله أعلم .
( أما أحكام المسألة ) فمسح الأذنين سنة للأحاديث السابقة ، والسنة أن [ ص: 443 ] يمسح ظاهرهما وباطنهما ، فظاهرهما ما يلي الرأس وباطنهما ما يلي الوجه . كذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=14669الصيمري وآخرون وهو واضح . وأما كيفية المسح فقال إمام الحرمين والغزالي وجماعات : يأخذ الماء بيديه ويدخل مسبحتيه في صماخي أذنيه ويديرهما على المعاطف ويمر الإبهامين على ظهور الأذنين ، قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد الجويني وغيره : ويلصق بعد ذلك كفيه المبلولتين بأذنيه طلبا للاستيعاب ، وقال الفوراني والمتولي وغيرهما : يمسح بالإبهام ظاهر الأذن وبالمسبحة باطنها ويمر رأس الأصبع في معاطف الأذن ويدخل الخنصر في صماخيه ، قال الفوراني : ويضع الإبهام على ظاهر الأذن ويمرها إلى جهة العلو . قال أصحابنا : ويمسح الأذنين معا ولا يقدم اليمنى فإن كان أقطع اليد قدمها ، حكى الروياني وجها أنه يستحب تقديم اليمنى وهو شاذ وغلط . واعلم أن مسح الأذنين بعد مسح الرأس فلو قدمه عليه فظاهر كلام الأصحاب أنه لا يحصل له مسح الأذنين لأنه فعله قبل وقته . وذكر الروياني في حصوله وجهين والصحيح المنع . ويشترط لمسح الأذنين ماء غير الماء الذي مسح به الرأس بلا خلاف بين أصحابنا وبه قال جمهور العلماء ، قال أصحابنا : ولا بشرط أن يكون أخذه للماء لهما أخذا جديدا ، بل لو أخذ الماء للرأس بأصابعه فمسح ببعضها وأمسك بعضها ثم مسح الأذنين بما أمسكه صح لأنه مسحهما بغير ماء الرأس ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم nindex.php?page=showalam&ids=13920والبويطي والأصحاب : ويأخذ للصماخين ماء غير ماء ظاهر الأذن وباطنه ، وقد ذكر المصنف دليله ، ويكون المأخوذ للصماخ ثلاثا كسائر الأعضاء ، صرح به الماوردي في كتابه الإقناع وهو واضح ، وحكى الماوردي في الحاوي وجها أنه يكفي مسح الصماخ ببقية ماء الأذن لكونه منها وحكاه الرافعي قولا والله أعلم .
( فرع ) في مذاهب العلماء في الأذنين . مذهبنا أنهما ليستا من الوجه ولا من الرأس بل عضوان مستقلان يسن مسحهما على الانفراد ولا يجب ، وبه قال جماعة من السلف حكوه عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور . وقال الزهري : هما من الوجه فيغسلان معه وقال الأكثرون : هما من الرأس . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : رويناه عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس [ ص: 444 ] nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=110وأبي موسى وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد . قال الترمذي : هو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق . واختلف هؤلاء هل يأخذ لهما ماء جديدا أم يمسحهما بماء الرأس ؟ .
وقال الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح : ما أقبل منهما فهو من الوجه يغسل معه ، وما أدبر فمن الرأس يمسح معه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : واختاره إسحاق . واحتج لمن قال : هما من الوجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=28384كان يقول في سجوده : سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره } فأضاف السمع إلى الوجه كما أضاف إليه البصر . واحتج من قال : هما من الرأس بقول الله تعالى - : { وأخذ برأس أخيه يجره إليه } وقيل : المراد به الأذن ، واحتجوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=13777الأذنان من الرأس } رواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهم ، وروي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس nindex.php?page=showalam&ids=4804وعبد الله بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس { nindex.php?page=hadith&LINKID=4467أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه وقال بالوسطيين من أصابعه في باطن أذنيه والإبهامين من وراء أذنيه } . واحتج للشعبي ومن وافقه بما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه : " أنه مسح رأسه ومؤخر أذنيه " ولأن الوجه ما حصلت به المواجهة وهي حاصلة بما أقبل . واحتج أصحابنا بأشياء : أحسنها حديث nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=670أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذ لرأسه } وهو حديث صحيح كما سبق بيانه قريبا ، فهذا صريح في أنهما ليستا من الرأس إذ لو كانتا منه لما أخذ لهما ماء جديدا كسائر أجزاء الرأس ، وهو صريح في أخذ ماء جديد فيحتج به أيضا على من قال : يمسحهما بماء الرأس ، وفيه رد على من قال : هما من الوجه ، فقد جمع هذا الحديث الصحيح [ ص: 445 ] الدلالة للمذهب والرد على جميع المخالفين .
واحتجوا على من قال هما من الوجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسحهما ولم ينقل غسلهما مع كثرة رواة صفة الوضوء واختلاف صفاته ، ولأن الإجماع منعقد على أن المتيمم لا يلزمه مسحهما ، قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب : ولأن nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي nindex.php?page=showalam&ids=12053والمفضل بن سلمة قالا : الأذنان ليستا من الرأس وهما إمامان من أجل أئمة اللغة ، والمرجع في اللغة إلى نقل أهلها . واحتجوا على من قال : هما من الرأس بأن الإجماع منعقد على أنه لا يجزئ مسحهما عن مسح الرأس بخلاف أجزائه ، وبأنه لو قصر المحرم من شعرهما لم يجزئه عن تقصير الرأس بالإجماع ، ولأنه عضو يخالف الرأس خلقة وسمتا فلم يكن منه كالخد ، وقولنا : " وسمتا " احتراز من النزعة ، قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والماوردي : ولأن الإجماع منعقد على أن البياض الدائر حول الأذن ليس من الرأس مع قربه فالأذن أولى ، ولأنه لا يتعلق بالأذن شيء من أحكام الرأس سوى المسح ، فمن ادعى أن حكمها في المسح حكم الرأس فعليه البيان .
وأما الجواب عن احتجاج الزهري فمن وجهين : ( أحدهما ) المراد بالوجه الجملة والذات كقوله تعالى - : { كل شيء هالك إلا وجهه } ، الدليل على هذا أن السجود حاصل بأعضاء أخر .
( الثاني ) أن الشيء يضاف إلى ما يقاربه وإن لم يكن منه . والجواب عما احتج به القائلون بأنهما من الرأس من الآية أنه تأويل للآية على خلاف ظاهرها فلا يقبل ، والمفسرون مختلفون في ذلك فقيل : المراد الرأس ، وقيل : الأذن ، وقيل : الذؤابة ، فكيف يحتج بها والحالة هذه ؟ والجواب عن الأحاديث أنها كلها ضعيفة متفق على ضعفها ، مشهور في كتب الحديث تضعيفها إلا حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فإسناده جيد ، ولكن ليس فيه دليل لما ادعوه ; لأنه ليس فيه أنه مسحهما بماء الرأس المستعمل في الرأس ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي قال أصحابنا : كأنه كان يعزل من كل يد أصبعين فإذا فرغ من مسح الرأس مسح بهما أذنيه . [ ص: 446 ] وأما الجواب عن احتجاج الشعبي بفعل nindex.php?page=showalam&ids=8علي فمن أوجه : ( أحدها ) أنها رواية ضعيفة لا تعرف .
( والثاني ) ليس فيها دليل على الفرق بين مقدم الأذن ومؤخرها .
( والثالث ) أن ذلك محمول على أنه استوعب الرأس فانمسح مؤخر الأذن معه ضمنا لا مقصودا ; لأن الاستيعاب لا يتأتى غالبا إلا بذلك .
( الرابع ) لو صح ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي وتعذر تأويله كان ما قدمناه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وما هو المشهور عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي أولى والله أعلم .
( فرع ) أجمعت الأمة على أن الأذنين تطهران ، واختلفوا في كيفية تطهيرهما على المذاهب السابقة : قال nindex.php?page=showalam&ids=16935أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه اختلاف الفقهاء : أجمعوا أن من ترك مسحهما فطهارته صحيحة ، وكذا نقل الإجماع غيره ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وأصحابنا عن إسحاق بن راهويه أنه قال . من ترك مسحهما عمدا لم تصح طهارته وهو محجوج بإجماع من قبله وبالحديث الذي ذكره المصنف والله أعلم .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب وغيره عن الشيعة أنهم قالوا : لا يستحب مسح الأذنين لأنه لا ذكر لهما في القرآن ، ولكن الشيعة لا يعتد بهم في الإجماع ، وإن تبرعنا بالرد عليهم فدليله الأحاديث الصحيحة التي ذكرناها ، ولا يلزم من كونه لم يذكر في القرآن أنه لا يكون سنة للأحاديث الصحيحة والله أعلم .
( فرع ) حكى صاحب الحاوي والمستظهري عن أبي العباس بن سريج - رحمه الله أنه كان يغسل أذنيه ثلاثا مع الوجه كما قال الزهري ، ويمسحهما مع الرأس كما قال الآخرون ، ويمسحهما على الانفراد ثلاثا كما قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . قال صاحب الحاوي : ولم يكن ابن سريج يفعل ذلك واجبا بل احتياطا ليخرج من الخلاف . وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : لم يخرج ابن سريج بهذا من الخلاف بل زاد فيه ، فإن الجمع بين الجميع لم يقل به أحد ، وهذا الاعتراض مردود لأن ابن سريج لا يوجب ذلك ، بل يفعله استحبابا واحتياطا كما سبق ، وذلك غير ممنوع بالإجماع بل محبوب . وكم من موضع مثل هذا اتفقوا على استحبابه للخروج من الخلاف ، وإن كان لا يحصل ذلك إلا بفعل أشياء لا يقول بإيجابها كلها أحد . [ ص: 447 ] وقد قدمنا قريبا أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب - رحمهم الله قالوا : يستحب غسل النزعتين مع الوجه وهما مما يمسح عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، إذ هما من الرأس ، واستيعابه بالمسح مأمور به بالإجماع ، وإنما استحبوا غسلهما للخروج من خلاف من قال : هما من الوجه ، ولم يقل أحد بوجوب غسلهما ومسحهما . ومع هذا استحبه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب ، ونظائر ذلك كثيرة مشهورة ، فالصواب استحسان فعل ابن سريج - رحمه الله والله أعلم