[ ص: 314 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن أحرم الولد بغير إذن الأبوين فإن كان في حج فرض - لم يكن لهما تحليله ، لأنه فرض ، فلم يجز إخراجه منه كالصوم والصلاة ، وإن كان في حج تطوع ففيه قولان ( أحدهما ) يجوز لهما تحليله . لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن أراد أن يجاهد وله أبوان : ( { nindex.php?page=hadith&LINKID=24355ففيهما فجاهد } ) فمنع الجهاد لحقهما وهو فرض ، فدل على أن المنع من التطوع لحقهما أولى ( والثاني ) لا يجوز ، لأنه قربة لا مخالفة عليه فيها ، فلا يجوز لهما تحليله منها كالصوم ) .
( الشرح ) هذا الحديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظه ( وقوله ) لأنه قربة لا مخالفة عليه فيها احتراز من الجهاد .
( أما الأحكام ) فقال أصحابنا : من كان له أبوان أو أحدهما استحب أن لا يحرم إلا بإذنهما أو إذن الحي منهما ، فإن أذنا له في حج فرض أو تطوع فأحرم لم يكن لهما تحليله ولا منعه بلا خلاف ، كما سبق في العبد والزوجة ، وإن منعاه الإحرام أو منعه أحدهما فإن كان في حج تطوع فلهما المنع على المذهب ، وبه قطع الجماهير في الطريقتين ، وحكى الرافعي وجها شاذا أنه ليس لهما منعه منه . وهذا ليس بشيء فإن أحرم بالتطوع فهل لهما تحليله ؟ فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) لهما ، ولكل واحد منهما تحليله . وأشار إليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الإملاء وممن نص على تصحيحه nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين في تعليقه والجرجاني في التحرير وغيرهما ( والثاني ) ليس لهما تحليله ، نص عليه في الأم وصححه nindex.php?page=showalam&ids=12097الفارقي والصحيح الأول . أما إذا أراد حج فرض الإسلام أو قضاء نذر ، فليس لهما منعه ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الجماهير في الطريقتين . وحكى صاحب العدة والروياني والرافعي فيه وجها شاذا أن لهما منعه من الفرض كالتطوع وليس بشيء ، فإن أحرم به فليس لهما تحليله منه على المذهب ، وبه قطع الجمهور . [ ص: 315 ] وحكى القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين والروياني والرافعي وغيرهم فيه طريقا آخر أنه على قولين كالزوجة وليس بشيء ، والله أعلم .
وإذا أحرم بالتطوع وأراد الأبوان تحليله كان لهما ذلك على الأصح كما ذكرنا فلو أراده أحدهما فهو كما لو أراداه . هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وقال الماوردي : إن أراد الأب تحليله فله ذلك على قولنا لهما تحليله . وإن أرادته الأم فلا ، وحكاه الروياني عن الماوردي ثم قال : وهذا مشكل ، وهو كما قال الروياني فالصحيح أن الأم كالأب في هذا ، والله أعلم .
( فرع ) قال أصحابنا ، حيث جوزنا لهما تحليله فهو كتحليل الزوجة فيؤمر الولد بأن يتحلل بما يتحلل به المحصر من النية والذبح والحلق ، وقد سبق بيانه واضحا .
( فرع ) إذا أراد الولد السفر لطلب العلم فقد جزم المصنف في أول كتاب السير بأنه يجوز بغير إذن الأبوين ، قال : وكذلك سفر التجارة لأن الغالب فيها السلامة . وبسط البغوي المسألة هنا فقال : إن أراد الولد الخروج لطلب العلم بغير إذن الأبوين - نظر إن كان هناك من يتعلم منه - لم يجز ولهما منعه ، وإن لم يكن نظر ، فإن أراد تعلم ما هو فرض عين لم يكن لهما منعه . وفي فرض الكفاية وجهان ( أصحهما ) لا يجوز لهما منعه لأنه فرض عليه ما لم يبلغ واحد هناك درجة الفتوى ، حتى لو كبر المفتي وشاخ جاز لشاب أن يخرج لطلب العلم إن لم يمكنه التعلم من الشيخ . قال : ولو [ ص: 316 ] خرج واحد للتعلم هل لآخر أن يخرج بغير إذن الأبوين ؟ فيه وجهان : ( أحدهما ) لا ، لأنه قام به غيره كالجهاد ( والثاني ) نعم ، لأن قصد إقامة الدين لا خوف فيه ، هذا كلام البغوي .
( فرع ) قال أصحابنا : من عليه دين حال وهو موسر ، يجوز لمستحق الدين منعه من الخروج إلى الحج وحبسه ، ما لم يؤد الدين ، فإن كان أحرم فليس له التحلل كما سبق ، بل عليه قضاء الدين والمضي في الحج . وإن كان معسرا فلا مطالبة ولا منع ، وإن كان مؤجلا فلا منع ولا مطالبة ، لكن يستحب أن لا يخرج حتى يوكل من يقضي الدين عند حلوله .
( فرع ) حيث جوزنا تحليل الزوجة والولد فتحللا ، فلهما حكم المتحلل بحصر خاص ، فإن كان حج تطوع لم يجب قضاؤه على أصح القولين ، وإن كان فرضا ففيه التفصيل السابق في حكم الحاج المحصر .
( فرع ) قال إمام الحرمين وغيره : قول الأصحاب للسيد تحليل العبد ، وللزوج تحليل الزوجة وللوالد تحليل الولد . هذا كله مجاز ، ولا يصح التحليل من هؤلاء المذكورين ، بل معناه أنهم يأمرون العبد والزوجة والولد بالتحلل ، فيتحلل المأمور بالنية مع الذبح والحلق على تفصيله السابق ، وهذا واضح لا شك فيه والله أعلم .