قال المصنف - ( وإن شرط الخيار لأجنبي ففيه قولان ( أحدهما ) لا يصح لأنه حكم من أحكام العقد فلا يثبت لغير المتعاقدين كسائر الأحكام ( والثاني ) يصح ، لأنه جعل إلى شرطهما للحاجة ، وربما دعت الحاجة إلى شرطه للأجنبي بأن يكون أعرف بالمتاع منهما فإن شرطه للأجنبي ( وقلنا ) : إنه يصح فهل يثبت له ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) يثبت له ، لأنه إذا ثبت للأجنبي من جهته فلأن يثبت له أولى ( والثاني ) لا يثبت ، لأن ثبوته بالشرط فلا يثبت إلا لمن شرط له ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - في الصرف : إذا اشترى بشرط الخيار على أن لا يفسخ حتى يستأمر فلانا لم يكن له أن يفسخ حتى يقول : استأمرته فأمرني بالفسخ فمن أصحابنا من قال : له أن يفسخ من غير إذنه ، لأن له أن يفسخ من غير شرط الاستئمار ، فلا يسقط حقه بذكر الاستئمار ، وتأول ما قاله على أنه أراد أنه لا يقول : استأمرته إلا بعد أن يستأمره لئلا يكون كاذبا ( ومنهم ) من حمله على ظاهره ، أنه لا يجوز أن يفسخ لأنه ثبت بالشرط ، فكان على ما شرط )
( الشرح ) قال أصحابنا : يجوز شرط الخيار للعاقدين ولأحدهما بالإجماع ، فإن شرطه لأجنبي فقولان مشهوران ، ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) باتفاق الأصحاب يصح البيع والشرط ، وهو الأشهر من نصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - ، نص عليه في الإملاء وفي الجامع الكبير ، وبه قطع الغزالي وغيره ، ونقل إمام الحرمين في النهاية اتفاق الأصحاب عليه ، ولم يذكر فيه خلافا ، وليس كما ادعى ( والقول الثاني ) أن البيع باطل ، وحكى الماوردي عن ابن سريج وجها أن البيع صحيح والشرط باطل ، قال : وعلى هذا وجهان ( أحدهما ) يكون البيع لازما لا خيار فيه ( والثاني ) أن بطلان الخيار يختص بالأجنبي ، فيصح البيع ويثبت الخيار [ ص: 234 ] للعاقد ، وكل هذا ضعيف والمذهب : الأول ، قال أصحابنا : ولو باع عبدا بشرط الخيار للعبد ففيه القولان ( أصحهما ) يصح البيع والشرط ، لأنه أجنبي من العقد فأشبه غيره ، وأطلق ابن القاص أنه لا يصح في صورة العبد ، قال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب وغيره : وهو تفريع منه على قولنا : لا يصح شرطه لأجنبي ، فأما إذا صححناه للأجنبي فيصح للعبد ، والله أعلم .
قال أصحابنا : ولا فرق على القولين بين أن يشترطا جميعا أو أحدهما الخيار لشخص واحد ، أو يشرط أحدهما لواحد والآخر لآخر ، فلو شرطه أحدهما لزيد من جهته ، وشرطه الآخر لزيد أيضا من جهته ، صح على قولنا بصحته للأجنبي ، قال المتولي : والفرق بينه وبين الوكيل الواحد في طرفي البيع والشراء أن عقد البيع لا يجوز أن ينفرد به أحدهما ، فلا ينفرد وكيلهما ( وأما ) الفسخ والإجازة فينفرد به أحدهما فانفرد به وكيلهما ، قال المتولي وغيره : وإذا شرطه لأجنبي وصححناه لا يشترط فيه قبول الأجنبي باللفظ بل يكون امتثاله قولا ، كما لو قال : بع مالي فإنه يكفي في قبول الوكالة إقدامه على البيع ، قالوا : ويشترط أن لا يصرح بالرد . قال أصحابنا : ( فإذا قلنا ) بالأصح : إنه يثبت الخيار للأجنبي المشروط له فهل يثبت للشارط أيضا ؟ فيه خلاف مشهور ذكره المصنف بدليله ، ثم إن المصنف وجماعة حكوه وجهين وحكاه المتولي وآخرون قولين ( أحدهما ) يثبت له أيضا وصححه الروياني ( وأصحهما ) عند الجمهور لا يثبت ، وهذا ظاهر نصه في الصرف ، وفي الإملاء ، لأنه قال في الإملاء : من باع سلعة على رضاء غيره كان للذي شرط له الرضا الرد ، ولم يكن للبائع ، قال أصحابنا : فإن لم نثبته للشارط مع الأجنبي بل خصصنا به الأجنبي فمات الأجنبي في زمن الخيار ، فهل يثبت الآن للشارط ؟ فيه وجهان حكاهما البغوي وآخرون ( أصحهما ) عند البغوي والرافعي وغيرهما : يثبت كما يثبت للوارث ( والثاني ) لا ، لأنه ليس بوارث ، [ ص: 235 ] وبهذا جزم صاحب البحر ، والمذهب الأول .
قال أصحابنا : وإذا أثبتنا الخيار للأجنبي والشارط جميعا فلكل واحد منهما الاستقلال بالفسخ فلو فسخ أحدهما واختار الآخر قدم الفسخ ، والله أعلم .
( أما ) إذا اشترى شيئا على أن يؤامر فلانا فيأتي به من الفسخ والإجازة فقد نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - في كتاب الصرف على أن البيع صحيح وأنه ليس له أن يفسخ حتى يقول : استأمرته فأمرني بالفسخ وتكلم الأصحاب في النص من وجهين ( أحدهما ) أنه له إذا شرط أن يقول : استأمرته ، وأي مدخل لو أمر به مع أنه لا خيار له ، واختلفوا في جواب هذا ، وقال القائلون بالأصح في الصورة السابقة : إن الخيار المشروط للأجنبي يختص بالأجنبي ، هذا جواب على المذهب الذي بيناه ومؤيديه ، وقال الآخرون : هو مذكور احتياطا ، ولا يشترط استئماره ، وإنما أراد nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه لا يقول : استأمرته إلا بعد الاستئمار ولئلا يكون كاذبا ، ونقل الماوردي هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي والبصريين كافة ، والجواب الأول أصح ، وأقرب إلى ظاهر النص ، لأنه قال : لم يكن له أن يفسخ ولم يقل : لم يجز له أن يكذب .
( الاعتراض الثاني ) أنه أطلق في التصوير شرط المؤامرة ، ولم يقيده بثلاثة أيام فما دونها ، واختلفوا في جوابه على وجهين حكاهما البغوي والروياني وآخرون ( الصحيح ) منهما باتفاقهم ، وبه قطع الجمهور أنه محمود على ما إذا قيد ذلك بالثلاثة ، فإن أطلق لم يصح البيع ( والثاني ) يحتمل الإطلاق والزيادة على الثلاثة ، كخيار الرؤية في بيع الغائب - إذا جوزناه - فإنه تجوز الزيادة فيه على الثلاثة ، والمذهب : الأول قال البغوي : وإذا شرط المؤامرة ثلاثة أيام فمضت الثلاثة ولم يؤامره أو آمره ولم يشر بشيء ، لزم العقد ولا ينفرد هو بالفسخ والإمضاء في مدة الثلاثة حتى يؤامره . والله أعلم . [ ص: 236 ] فرع ) إذا شرط الخيار لأجنبي وقلنا : يصح شرطه له ، وثبت له ولهما فتبايعا بشرط الخيار لأجنبي وصرحا بنفيه عن أنفسهما ، ففي صحة هذا الشرط والنفي وجهان ، حكاهما إمام الحرمين ( أحدهما ) يصح اتباعا للشرط ( والثاني ) لا يصح والأول أصح