[ ص: 240 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( فإن تصرف في المبيع تصرفا يفتقر إلى الملك كالعتق والوطء والهبة والبيع وما أشبهها - نظرت ، فإن كان ذلك من البائع - كان ذلك اختيارا للفسخ . لأنه تصرف يفتقر إلى الملك فجعل اختيارا للفسخ والرد إلى الملك ، وإن كان ذلك من المشتري ففيه وجهان ( قال ) nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق : إن كان ذلك عتقا كان اختيارا للإمضاء ، وإن كان غيره لم يكن ذلك اختيارا ، لأن العتق لو وجد قبل العلم بالعيب منع الرد فأسقط خيار المجلس ، وخيار الشرط وما سواه لو وجد قبل العلم بالعيب لم يمنع الرد بالعيب ، فلم يسقط خيار المجلس وخيار الشرط ، ( وقال ) nindex.php?page=showalam&ids=13785أبو سعيد الإصطخري : الجميع اختيار للإمضاء ، وهو الصحيح لأن الجميع يفتقر إلى الملك ، فكان الجميع اختيارا للملك ، ولأن في حق البائع الجميع واحد فكذلك في حق المشتري . فإن وطئها المشتري بحضرة البائع وهو ساكت ، فهل ينقطع خيار البائع بذلك ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) ينقطع لأنه أمكنه أن يمنعه ، فإذا سكت كان ذلك رضاء بالبيع ( والثاني ) لا ينقطع لأنه سكوت عن التصرف في ملكه ، فلا يسقط عليه حكم التصرف ، كما لو رأى رجلا يخرق ثوبه ، فسكت عنه ، والله أعلم )
( الشرح ) قوله : لأن الجميع يفتقر إلى الملك احتراز من الاستخدام ( وقوله ) لأنه سكوت عن التصرف في ملكه قال القلعي : فيه احتراز من المودع إذا رأى من يسرق الوديعة فسكت عنه .
( أما الأحكام ) ففيها مسائل : ( إحداها ) قال أصحابنا : يحصل الفسخ والإجازة في خيار المجلس وخيار الشرط بكل لفظ يفهم منه ذلك كقول البائع فسخت البيع أو استرجعت المبيع أو رددته ، أو رددت الثمن ونحو ذلك ، فكل هذا فسخ ، والإجازة أجزت البيع وأمضيته ، وأسقطت الخيار ، وأبطلت الخيار ، ونحو ذلك ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14669الصيمري : وقول البائع في زمن الخيار : لا أبتاع حتى يزيد في الثمن ، مع قول المشتري : لا أفعل ، يكون فسخا وكذا قول المشتري : لا أشتري حتى ينقص عني من الثمن مع قول البائع لا أفعل ، وكذا طلب البائع حلول الثمن المؤجل وطلب المشتري تأجيل الثمن الحال كل هذا [ ص: 241 ] فسخ هذا كلام nindex.php?page=showalam&ids=14669الصيمري ، وحكاه عنه صاحب البيان والرافعي وغيرهما وسكتوا عليه موافقين له .
( الثانية ) إعتاق البائع إذا كان الخيار لهما أو له وحده ، ينفذ ويكون فسخا بلا خلاف ، وفي بيعه وجهان مشهوران : ( أحدهما ) ليس بفسخ ( والثاني ) وهو الصحيح أنه فسخ ، وبه قطع المصنف والجمهور ، فعلى هذا في صحة البيع وجهان ( أصحهما ) الصحة كالعتق ( والثاني ) لا يصح ، بل يحصل الفسخ دون البيع ، قال أصحابنا : ويجري الوجهان في التزويج والإجارة ، وكذا الرهن والهبة إن اتصل بهما القبض ، سواء وهب لولده أو لغيره ، فإن تجرد الرهن والهبة عن القبض فهو كالعرض على البيع كما سنوضحه متصلا به إن شاء الله تعالى .
( الثالثة ) لو وطئ البائع الجارية المبيعة في زمان الخيار والخيار له أو لهما ففيه ثلاثة أوجه ( الصحيح المشهور ) الذي قطع به المصنف والجمهور أنه فسخ لإشعاره باختيار الإمساك ( والثاني ) لا يكون فسخا ، ولو وطئ الرجعية لا تكون رجعة ( والثالث ) إن نوى به الفسخ كان فسخا ، وإلا فلا وهذان الوجهان شاذان حكاهما الرافعي وحكى الثالث منهما الدارمي والصواب الأول ، وبه قطع الأصحاب ، ونقل المتولي وغيره [ ص: 242 ] الاتفاق عليه ، قالوا : والفرق بينه وبين الرجعة أن الرجعة جعلت لتدارك ملك النكاح ، وابتداء ملك النكاح لا يحصل بالفعل وإنما يحصل بالقول فكذا تداركه ، وأما فسخ البيع فلتدارك ملك اليمين ، وابتداء ملك اليمين يحصل بالفعل كالاحتطاب والاحتشاش والاصطياد وسبي الجارية وإحياء الموات ونحو ذلك ، فعلى الصحيح لو باشر فيما دون الفرج بشهوة أو قبل أو لمس بشهوة ، أو استخدم الجارية أو العبد أو الدابة أو ركبها هل يكون فسخا ؟ فيه وجهان حكاهما nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين وغيره ( أحدهما ) يكون ، وبه قطع البغوي كالوطء والعتق ( وأصحهما ) لا يكون فسخا وزيف إمام الحرمين قول من قال : الركوب والاستخدام فسخ وقال : هو هفوة والله أعلم . ولو طلق إحدى زوجتيه لا بعينها ثم وطئ إحداهما لم يكن تعيينا للطلاق في الأخرى على الأصح في القولين وهذا مما أورده الغزالي على nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في مسألة وطء البائع وفرق الأصحاب نحو ما سبق في فرق الرجعة وحاصله الاحتياط للنكاح بخلاف الملك .
( الرابعة ) وطء المشتري ، هل هو إجازة منه ؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها المتولي وغيره ( أصحها ) باتفاق الأصحاب يكون إجازة ، لأنه متضمن للرضى ، وكما جعلنا وطء البائع فسخا لتضمنه الرضى ، كذا وطء المشتري إجازة لتضمنه الرضى ( والثاني ) لا ، لأن وطء المشتري لا يمنع الرد بالعيب ، فلا يمنع الفسخ كخيار الشرط ، قال المتولي : وهذا على قولنا : إن الملك للمشتري في زمن الخيار ، وإن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله ( والثالث ) إن كان عالما بثبوت الخيار له حالة الوطء ، بطل خياره ، وإن كان جاهلا فلا ، ويتصور جهله بأن يرث الجارية من مورثه ولا يعلم أن مورثه اشتراها بشرط الخيار ، وقاسه هذا القائل على الرد بالعيب ، فإنه إذا وطئ وهو عالم بالعيب بطل حقه من الرد ، وإن كان جاهلا فلا ، [ ص: 243 ] ولم يفرق الأصحاب بين خيار المجلس وخيار الشرط ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين : إن وطئ في خيار الشرط بطل خياره ، وإن وطئ في خيار المجلس فوجهان ، فحصل وجه رابع في المسألة أنه يبطل خيار الشرط دون خيار المجلس ، والله أعلم .
( وأما ) إعتاقه فإن كان بإذن البائع نفذ وحصلت الإجازة من الطرفين ، ولزم البيع بلا خلاف وإن كان بغير إذنه ففي نفوذه خلاف سنذكره واضحا إن شاء الله تعالى في تفريع الأقوال الثلاثة في الملك في زمن الخيار لمن هو ؟ ومختصره أن المذهب أنه لا ينفذ إعتاقه إن كان الخيار لهما أو للبائع فإن كان للمشتري وحده نفذ ( فإن قلنا ) ينفذ حصلت الإجازة قطعا وإلا فوجهان ( أصحهما ) الحصول أيضا لدلالته على الرضا واختيار التملك وبهذا قطع المصنف وآخرون ، قال إمام الحرمين : ويتجه أن يقال : إن أعتق وهو يعلم نفوذه لم يكن إجازة قطعا ، والمذهب أنه لا فرق ( أما ) إذا باع المشتري أو وقف أو وهب وأقبض بغير إذن البائع فلا ينفذ شيء من ذلك بلا خلاف ، وهل يكون إجازة ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) يكون إجازة .
وبه قال الإصطخري ، وصححه المصنف والأصحاب ( والثاني ) لا يكون ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي . قال أصحابنا : ولو باشر المشتري هذه التصرفات بإذن البائع أو باع المبيع للبائع نفسه فوجهان ( أصحهما ) صحة التصرف لتضمنه الإجازة ( والثاني ) لا ، لضعف الملك وعدم تقدم الإجازة ( قال ) ابن الصباغ وغيره : وعلى الوجهين جميعا يصير البيع لازما ، ويسقط الخيار ( قال ) الرافعي : وقياس ما سبق أنا إذا لم ننفذها كان سقوط الخيار على وجهين ، والمذهب ما قاله ابن الصباغ وموافقوه ، والله تعالى أعلم . [ ص: 244 ] أما إذا أذن له البائع في طحن الحنطة المبيعة فطحنها فإنه إجازة منهما ( قال ) الصيدلاني وغيره : ومجرد الإذن في هذه التصرفات لا يكون إجازة من البائع ما لم يتصرف ، حتى لو رجع البائع قبل التصرف كان على خياره ، وفي هذا الذي قالوه نظر ، لأن الاعتبار بالدلالة على الرضى ، وذلك حاصل بمجرد الإذن ، وسيأتي في المسألة الخامسة إن شاء الله تعالى عن nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين خلاف في هذا ، والله أعلم .
( الخامسة ) إذا وطئ المشتري المبيعة فقد سبق الخلاف في كونه إجازة منه .
وأما خيار البائع فإن كان جاهلا بوطء المشتري لم يسقط قطعا ، وإن أدركه حصلت الإجازة منه قطعا ، ولا يجب على المشتري مهر ولا قيمة الوطء قطعا ، وتصير الجارية أم ولد ، فإن لم يأذن له ، ولكن علم أنه يطأ ، أو رآه يطأ وسكت عليه ، فهل يسقط خيار البائع ويكون مجيزا ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) لا يكون مجيزا قطعا ، وكما لو سكت على وطء أمته لا يسقط به المهر قطعا ، أو على تخريق ثوبه لا يسقط القيمة قطعا ، هكذا ذكر الأصحاب المسألة ولم يفرقوا بين خيار الشرط وخيار المجلس ، وقال المتولي : إذا أبطلنا خيار المشتري بالوطء وكان البائع جاهلا بوطء المشتري - فإن كان خيار الشرط - لم يبطل حق البائع منه ، وإن كان خيار المجلس فوجهان ، بناء على الوجهين السابقين فيما إذا أسقط المشتري خياره ، هل يسقط خيار البائع أم لا ؟ وهذا الذي قاله شاذ مردود والمذهب أنه لا يسقط خيار المجلس والحالة هذه كالشرط ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين : ولو أذن له البائع في الوطء ولم يطأها ، هل يبطل خيار البائع بمجرد الإذن ؟ فيه خلاف مرتب ( إن قلنا : ) إذا رآه يطأ فسكت يبطل ، فهنا أولى ، وإلا فوجهان ، والفرق أنه وجد هنا صريح الإذن ، والله أعلم . [ ص: 245 ] فرع ) إذا تصرف المشتري في المبيع ببيع أو رهن أو هبة أو تزويج ونحوها ، وصححناه ، يبطل خيار البائع إذا لم يكن أذن في ذلك بلا خلاف ، واحتج له المتولي بأن هذه التصرفات لا تبطل مالية الممتنع ، وهي قابلة للرفع والله أعلم .