( الشرح ) أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة فحديث حسن تقدم بيانه في مسألة التوقيت ، واسم أبي بكرة نفيع بضم النون وفتح الفاء وهو نفيع بن الحارث كني بأبي بكرة لأنه تدلى ببكرة من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، توفي بالبصرة سنة إحدى وخمسين وقيل اثنتين وخمسين رضي الله عنه وقوله : ولا يجوز المسح إلا أن يلبس الخف على طهارة كاملة ، احترز بكاملة عما إذا غسل إحدى الرجلين ولبس خفها ثم غسل الأخرى ولبسها فإنه قد يسمى لبسا على طهارة مجازا ، فأراد نفي هذا المجاز والتوهم ، ولو حذف " كاملة " لصح كلامه لأن حقيقة الطهارة لا تكون إلا بالفراغ ، ويقال لبس الخف والثوب وغيرهما بكسر الباء يلبسه بفتحها . أما حكم المسألة : فلا يصح المسح عندنا إلا أن يلبسه على طهارة كاملة ، فلو غسل أعضاء وضوئه إلا رجليه ثم لبس الخف أو لبسه قبل غسل شيء ثم أكمل الوضوء وغسل رجليه في الخف صحت طهارته ، لكن لا يجوز المسح إذا أحدث ، فطريقه أن يخلع الخفين ثم يلبسهما ، ولو غسل إحدى رجليه ثم لبس خفها ثم غسل الأخرى ولبس خفها اشترط نزع الأول ثم لبسه على الطهارة . قال أصحابنا : ولا يشترط نزع الثاني ، وحكى الروياني وغيره وجها عن ابن سريج أنه يشترط لأن كل واحد من الخفين مرتبط بالآخر ، [ ص: 541 ] ولهذا لو نزع أحدهما وجب نزع الآخر ، وهذا الوجه شاذ ليس بشيء لأن المطلوب لبسهما على طهارة كاملة ، وقد وجد ، والترتيب في اللبس ليس بشرط بالإجماع .
( فرع ) في مذاهب العلماء في اشتراط الطهارة الكاملة في لبس الخف . قد ذكرنا أن مذهبنا أنه شرط ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد في أصح الروايتين وإسحاق ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري nindex.php?page=showalam&ids=17294ويحيى بن آدم nindex.php?page=showalam&ids=15215والمزني nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود رضي الله عنهم : يجوز لبسهما على حدث ثم يكمل الطهارة ، فإذا أحدث بعد ذلك جاز المسح . واختاره nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر فيما إذا غسل إحدى رجليه ثم لبس خفها قبل غسل الأخرى . واحتج هؤلاء بأنه أحدث بعد لبس وطهارة كاملة ، ولأن استدامة اللبس كالابتداء ، ولهذا لو حلف لا يلبس وهو لابس فاستدام حنث ، فإذا لبس على حدث ثم تطهر فاستدامته اللبس على طهارة كالابتداء ، قالوا : ولأن عندكم لو نزع ثم لبس استباح المسح ولا فائدة في النزع ثم اللبس ، واحتج أصحابنا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة رضي الله عنه الذي ذكره المصنف رحمه الله ، وعن المغيرة رضي الله عنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=20672صببت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وضوئه ثم أهويت لأنزع خفيه فقال : دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما } ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وعن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=2148أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر } رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد جيد وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما " سألت nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أيتوضأ أحدنا ورجلاه في الخفين ؟ قال نعم : إذا أدخلهما وهما طاهرتان " رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد صحيح .
فإن قالوا دلالة هذه الأحاديث بالمفهوم ولا نقول به . قلنا هو عندنا حجة وذلك مقرر في موضعه ، وجواب آخر وهو أن المسح رخصة واتفقوا على اشتراط الطهارة له ، واختلفوا في وقتها وجاءت هذه الأحاديث مبينة لجواز المسح لمن لبس على طهارة كاملة فلا يجوز غيره إلا بدليل صريح . فإن قالوا : إذا لبس خفا بعد غسل رجليه ثم الآخر كذلك فقد لبس على طهارة . قلنا : [ ص: 542 ] ليس كذلك فإن حقيقة الطهارة لا تكون إلا بغسل الرجلين ، فلبس الخف الأول كان سابقا على كمال الطهارة . وسلك إمام الحرمين في الأساليب طريقة حسنة فقال : تقدم الطهارة الكاملة على المسح شرط بالاتفاق ، والطهارة تراد لغيرها . فإن تخيل متخيل أن الطهارة شرط للمسح كان محالا لأن المسح يتقدمه الحدث وهو ناقض للطهارة فاستحال تقديرها شرطا فيه مع تخلل الحدث ، فوضح أن الطهارة شرط في اللبس ، وكل ما شرطت الطهارة فيه شرط تقديمها بكمالها على ابتدائه . ثم اشتراط الطهارة في اللبس غير معقول المعنى لأن اللبس في نفسه ليس قربة . وإذا أحدث بطلت طهارته ولا تنقطع الطهارة في جواز المسح وهذا خارج عن مأخذ المعنى ، والمسح رخصة مستثناة فتثبت حيث يتحققه ، وإذا تردد فيه تعين الرجوع إلى الأصل وهو غسل الرجل وليس مع المخالفين نص وقد ثبتت الرخصة في محل الإجماع . وأما الجواب عن دليلهم الأول فهو أن السنة دلت على اشتراط اللبس على طهارة ولم يحصل ذلك . وعن الثاني أن الاستدامة إنما تكون كالابتداء إذا كان الابتداء صحيحا وليس كذلك هنا . وعن الثالث أن الشرع ورد باشتراط اللبس على طهارة ، والنزع ثم اللبس محصلان لذلك فلم يكن عبثا بل طاعة ، ولهذا نظائر كثيرة منها أن المحرم لو اصطاد صيدا وبقي في يده حتى حل من إحرامه يلزمه إرساله ، ثم له اصطياده بمجرد إرساله ، ولا يقال لا فائدة في إرساله ثم أخذه والله أعلم .