( 7944 ) فصل :
والأيمان تنقسم خمسة أقسام ;
[ ص: 388 ] أحدها ، واجب ، وهي التي ينجي بها إنسانا معصوما من هلكة ، كما روي عن
سويد بن حنظلة ، قال : خرجنا نريد النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا
nindex.php?page=showalam&ids=101وائل بن حجر ، فأخذه عدو له ، فتحرج القوم أن يحلفوا ، وحلفت أنا أنه أخي ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20708صدقت ، المسلم أخو المسلم } . رواه
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي . فهذا ومثله واجب لأن إنجاء المعصوم واجب ، وقد تعين في اليمين ، فيجب ، وكذلك إنجاء نفسه ، مثل أن تتوجه عليه أيمان القسامة في دعوى القتل عليه ، وهو بريء .
الثاني ، مندوب ، وهو الحلف الذي تتعلق به مصلحة ; من إصلاح بين متخاصمين ، أو إزالة حقد من قلب مسلم عن الحالف أو غيره ، أو دفع شر ، فهذا مندوب ; لأن فعل هذه الأمور مندوب إليه ، واليمين مفضية إليه . وإن
حلف على فعل طاعة ، أو ترك معصية ، ففيه وجهان ; أحدهما ، أنه مندوب إليه . وهو قول بعض أصحابنا ، وأصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لأن ذلك يدعوه إلى فعل الطاعات ، وترك المعاصي .
والثاني ، ليس بمندوب إليه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يفعلون ذلك في الأكثر الأغلب ، ولا حث النبي صلى الله عليه وسلم أحدا عليه ، ولا ندبه إليه ، ولو كان ذلك طاعة لم يخلوا به ، ولأن ذلك يجري مجرى النذر ، وقد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38159نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر ، وقال : إنه لا يأتي بخير ، وإنما يستخرج به من البخيل } . متفق عليه .
الثالث ، المباح ، مثل الحلف على فعل مباح أو تركه ، والحلف على الخبر بشيء ، وهو صادق فيه ، أو يظن أنه فيه صادق ، فإن الله تعالى قال : {
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } . ومن صور اللغو قوله أن يحلف على شيء يظنه كما حلف عليه ، ويبين بخلافه .
فأما
الحلف على الحقوق عند الحاكم ، ففيه وجهان ; أحدهما ، أن تركه أولى من فعله ، فيكون مكروها . ذكر ذلك أصحابنا ، وأصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لما روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان nindex.php?page=showalam&ids=53والمقداد تحاكما إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، في مال استقرضه
nindex.php?page=showalam&ids=53المقداد ، فجعل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر اليمين على
nindex.php?page=showalam&ids=53المقداد ، فردها على
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : لقد أنصفك . فأخذ
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ما أعطاه
nindex.php?page=showalam&ids=53المقداد ، ولم يحلف ، فقال : خفت أن يوافق قدر بلاء ، فيقال : بيمين
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان .
والثاني ، أنه مباح فعله كتركه ; لأن الله - تعالى - أمر نبيه بالحلف على الحق في ثلاثة مواضع . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال على المنبر ، وفي يده عصا : يا أيها الناس ، لا تمنعكم اليمين من حقوقكم ، فوالذي نفسي بيده ، إن في يدي لعصا .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16670عمر بن شبة ، في كتاب " قضاة
البصرة " ، بإسناده عن
الشعبي ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=34وأبيا تحاكما إلى
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد في نخل ادعاه
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي ، فتوجهت اليمين على
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد : أعف أمير المؤمنين . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : ولم يعفي أمير المؤمنين ؟ إن عرفت شيئا استحققته بيميني ، وإلا تركته ، والله الذي لا إله إلا هو ، إن النخل لنخلي ، وما
nindex.php?page=showalam&ids=34لأبي فيه حق . فلما خرجا وهب
[ ص: 389 ] النخل
nindex.php?page=showalam&ids=34لأبي ، فقيل له : يا أمير المؤمنين هلا كان هذا قبل اليمين ؟ فقال : خفت أن لا أحلف ، فلا يحلف الناس على حقوقهم بعدي ، فيكون سنة . ولأنه حلف صدق على حق ، فأشبه الحلف عند غير الحاكم .
الرابع ، المكروه ، وهو الحلف على فعل مكروه ، أو ترك مندوب . قال الله تعالى : {
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس } . وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق رضي الله عنه حلف لا ينفق على
مسطح بعد الذي قال
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة ما قال ، وكان من جملة أهل الإفك الذين تكلموا في
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها ، فأنزل الله تعالى : {
ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا } وقيل : المراد بقوله : {
ولا يأتل } أي لا يمتنع . ولأن اليمين على ذلك مانعة من فعل الطاعة ، أو حاملة على فعل المكروه ، فتكون مكروهة .
فإن قيل : لو كانت مكروهة لأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الأعرابي الذي سأله عن الصلوات ، فقال : هل علي غيرها ؟ فقال : " لا ، إلا أن تطوع " . فقال : والذي بعثك بالحق ، لا أزيد عليها ولا أنقص منها . ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، بل قال : " أفلح الرجل إن صدق " . قلنا : لا يلزم هذا ، فإن اليمين على تركها ، لا تزيد على تركها ، ولو تركها لم ينكره عليه ، ويكفي في ذلك بيان أن ما تركه تطوع ، وقد بينه له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " إلا أن تطوع " . ولأن هذه اليمين إن تضمنت ترك المندوب ، فقد تناولت فعل الواجب ، والمحافظة عليه كله ، بحيث لا ينقص منه شيئا ، وهذا في الفضل يزيد على ما قابله من ترك التطوع ، فيترجح جانب الإثبات بها على تركها ، فيكون من قبيل المندوب ، فكيف ينكر ، ولأن في الإقرار على هذه اليمين بيان حكم محتاج إليه ، وهو بيان أن ترك التطوع غير مؤاخذ به ، ولو أنكر على الحالف ، لحصل ضد هذا ، وتوهم كثير من الناس لحوق الإثم بتركه فيفوت الغرض .
ومن قسم المكروه الحلف في البيع والشراء ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14094الحلف منفق للسلعة ، ممحق للبركة } . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه .
القسم الخامس ، المحرم ، وهو الحلف الكاذب ; فإن الله - تعالى - ذمه بقوله تعالى : {
ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } . ولأن الكذب حرام ، فإذا كان محلوفا عليه ، كان أشد في التحريم . وإن أبطل به حقا ، أو اقتطع به مال معصوم ، كان أشد ; فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36280من حلف يمينا فاجرة ، يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان } . وأنزل الله عز وجل في ذلك : {
إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } . ومن هذا القسم الحلف على فعل معصية ، أو ترك واجب ; فإن المحلوف عليه حرام ، فكان الحلف حراما ; لأنه وسيلة إليه ، والوسيلة تأخذ حكم المتوسل إليه .