الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7943 ) فصل : ويكره الإفراط في الحلف بالله تعالى ; لقول الله تعالى : { ولا تطع كل حلاف [ ص: 387 ] مهين } . وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله . فإن لم يخرج إلى حد الإفراط ، فليس بمكروه ، إلا أن يقترن به ما يوجب كراهته . ومن الناس من قال : الأيمان كلها مكروهة ; لقول الله تعالى : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } .

                                                                                                                                            ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحلف كثيرا ، وقد كان يحلف في الحديث الواحد أيمانا كثيرة ، وربما كرر اليمين الواحدة ثلاثا ، فإنه { قال في خطبة الكسوف : والله يا أمة محمد ، ما أحد أغير من الله أن يزني عبده ، أو تزني أمته ، يا أمة محمد ، والله لو تعلمون ما أعلم ، لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا . ولقيته امرأة من الأنصار ، معها أولادها ، فقال : والذي نفسي بيده ، إنكم لأحب الناس إلي . ثلاث مرات . وقال : والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا } .

                                                                                                                                            ولو كان هذا مكروها ، لكان النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس منه . ولأن الحلف بالله تعظيم له ، وربما ضم إلى يمينه وصف الله - تعالى - بتعظيمه وتوحيده ، فيكون مثابا على ذلك . وقد روي { أن رجلا حلف على شيء ، فقال : والله الذي لا إله إلا هو ، ما فعلت كذا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما إنه قد كذب ، ولكن قد غفر له بتوحيده } . وأما الإفراط في الحلف ، فإنما كره ; لأنه لا يكاد يخلو من الكذب . والله أعلم .

                                                                                                                                            فأما قوله : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } . فمعناه لا تجعلوا أيمانكم بالله مانعة لكم من البر والتقوى والإصلاح بين الناس ، وهو أن يحلف بالله أن لا يفعل برا ولا تقوى ولا يصلح بين الناس ، ثم يمتنع من فعله ، ليبر في يمينه ، ولا يحنث فيها ، فنهوا عن المضي فيها . قال أحمد ، وذكر حديث ابن عباس بإسناده ، في قوله تعالى : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } : الرجل يحلف أن لا يصل قرابته ، وقد جعل الله له مخرجا في التكفير ، فأمره أن لا يعتل بالله ، فليكفر ، وليبر .

                                                                                                                                            وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { لأن يستلج أحدكم في يمينه ، آثم له عند الله من أن يؤدي الكفارة التي فرض الله عليه } . متفق عليه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها ، فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك . وقال : إني والله لا أحلف على يمين ، فأرى غيرها خيرا منها ، إلا أتيت الذي هو خير ، وتحللتها } . متفق عليهما . وإن كان النهي عاد إلى اليمين ، فالمنهي عنه الحلف على ترك البر والتقوى والإصلاح بين الناس ، لا على كل يمين ، فلا حجة فيها لهم إذا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية