المبحث الأول: ضبط مقومات البحث الفقهي
لقد أثر التقليد على بنية البحث الفقهي، حيث أصبح الانتماء المذهبي يحكم مقدمات البحث ونتائجه، الأمر الذي أفقد البحث الفقهي القدرة على اجتهاد جديد أو مستقل، وحصره في دائرة تقرير الموروث والدفاع عنه. وقد وصف
الشوكاني هـذا الوضع فقال: «فإن في علماء المذاهب الأربعة من هـو أوسع علما، أو أعلى قدرا من إمامه الذي ينتمي إليه، ويقف عند رأيه، ويقتدي بما قاله في عبادته، ومعاملته، وفي فتاواه وفضائله، ويسري ذلك إلى مصنفاته، فيرجح فيها ما يرجحه إمامه، وإن كان دليله ضعـيفا، أو موضوعا، أو لا دليل بيده أصلا، بل مجرد محض الرأي، ويدفع من الأدلة المخالفة له ما هـو أوضح من شمس النهار؛ تارة بالتأويل المتعسف، وحينا بالزور الملفق»
>[1] .
من هـنا اقتضت النهضة الفقهية في نظر الشوكاني تحرير العقل الفقهي من القيود التي ضربت عليه، وتزويده بآليات جديدة للبحث تعصمه من التعصب وتقيمه على مبدأ الإنصاف والموضوعية.
وعلى هـذا الأساس جاء كلام
الشوكاني في هـذا المحور تأكيدا على مظاهر الإنصاف، ونتائجه العلمية والمنهجية والتربوية، فبين أن من مقتضيات البحث الفقهي التي تحقق الإنصاف ما يأتي:
[ ص: 196 ]