المطلب السابع: أخذ الأدلة الشرعية من مواطنها
يرى الإمام الشوكاني أن أخذ أدلة الموضوع محل البحث من كتب الفقه المذهبي نقيصة من نقائص البحث الفقهي؛ ذلك أن الانتماء المذهبي سيوجه -لا محالة- عرض مؤلفي هـذه الكتب، ومناقشتهم، وترجيحهم لأدلة الموضوع، وهذه النقيصة فـي نظر الإمام الشوكاني مما يخل بالإنصاف؛ لأنه كما قال: «من أسباب الوقوع في غير الإنصاف أن يأخذ طالب الحق أدلة المسائل من مجاميع الفقه التي يعزى مؤلفها إلى مذهب من المذاهب، فإن من كان كذلك يبالغ في إيراد أدلة مذهبه، ويطيل ذيل الكلام عليها، ويصرح تارة بأنها أدلة، وتارة بأنها حجج، وتارة بأنها صحيحة، ثم يطفف لخصمه المخالف فيورد أدلته بصيغة التمريض، ويعنونها بلفظ الشبه، وما يؤدي هـذا المعنى» [1] . [ ص: 205 ] والإنصاف في نظر الشوكاني يقتضي استقاء الأدلة من مظانها؛ لأنه كما أضاف: «إذا اقتصر طالب الحق على النظر في مثل هـذه المؤلفات وقع في الباطل وهو يظنه الحق، وخالف الحق وهو يظنه الباطل، والذي أوقعه في ذلك اقتصاره في البحث والنظر على ذلك الكتاب الذي ألفه ذلك المتعصب، وإحسان الظن به...» [2] .
وخلاصة القول فيما يخص ضبط الإمام الشوكاني لمقومات البحث الفقهي: إنه سعى من خلال تلك المقومات السبعة إلى تأطير دقيق ومنضبط لمنهج البحث الفقهي ليعصم؛ البحث والباحث من الزلل.
ولقد لخص الإمام الشوكاني هـذه المقومات في كلمات موجزة، عبرت بدقة عن منهج التجديد الفقهي عنده، وعن مواصفات الشخصية التجديدية، فقال: «وبالجملة، فالمجتهد على التحقيق:
هو من يأخذ الأدلة الشرعية من مواطنها، على الوجه الذي قدمناه، ويفرض نفسه موجودا في زمن النبوة، وعـند نزول الوحي، وإن كان في آخر الزمان، وكأنه لم يسبقه عالم، ولا تقدمه مجتهد. فإن الخطابات الشرعية تتناوله كما تناولت الصحابة، من غير فرق، وحينئذ يهون الخطب، وتذهب الروعة التي نزلت بقلبه من الجمهور، وتزول الهيـبة التي تداخل قلوب المقصرين» [3] . [ ص: 206 ]