ظاهرة التطرف والعنف (من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب) [الجزء الأول]

نخبة من الباحثين

صفحة جزء
ب- سببية الاستبداد في التطرف:

الاستبداد في اللغة من استبد بالأمر إذا انفرد به دون غيره، سواء كان ذلك الأمـر مـاديا أو معنويا. وفي الاصطلاح السائر اليوم يمكن أن يقال: إن الاستبداد هو انفراد جهة ما، فردية أو جماعية، بممارسة حق من الحقوق دون جهات أخرى لها في ذلك الحق نصيب. فإذا كان ذلك الانفراد متعلقا بحـق مـادي مثـل حـق الثـروة الـوطنية سمي الانفراد به استبدادا اقتصاديا، وإذا كان متـعـلقا بحق المشاركة بالرأي في الشأن السياسي العام سمي استبدادا سياسيا، وإذا كان متعلقا بحق التفكير الحر سمي استبدادا فكريا، وهكذا الأمر في كل الحقوق المادية والمعنوية إذا ما وقع الانفراد بها دون من له نصيب منها، ومن ذلك ما روي عن علي، رضي الله عنه، من أنه قال فيما يرى من حق له في الخلافة: "كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم علينا" >[1] ، أي انفردتم بالخلافة بما لنا فيها من حق.

وللاستبداد بهذا المعنى بالتطرف الديني صلة وطيدة، وهي صلة قد تتشكل خيوطها من تداعيات نفسية، أو من تأويلات دينية، أو من تأثيرات ثقافية فكرية، ولكنها تنتهي إلى نفـس المصب لتفضـي إلى إنتاج التطرف على درجات مختلفة، وفي كل الأحوال يتبين من جميع هذه الخيوط أن التطرف الديني ليس إلا وليدا للاستبداد من خلال هذه القنوات وربما [ ص: 27 ] شاركتها في ذلك قنوات أخرى غيرها، ولكنها تبقى هي الأبين في سببيـتها له، وفي استيـلاده هو منها، وهو الأمر الجدير بالشرح والبيان.

التالي السابق


الخدمات العلمية