كتاب الشفعة قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله إملاء : الشفعة مأخوذة من الشفع الذي هو ضد الوتر ; لما فيه من ضم عدد إلى عدد ، أو شيء إلى شيء ومنه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للمذنبين فإنه يضمهم بها إلى العابدين ، وكذلك الشفيع بأخذه يضم المأخوذ إلى ملكه ، فيسمى لذلك شفعة ، وزعم بعض أصحابنا رحمهم الله أن القياس يأبى
ثبوت حق الشفعة ; لأنه يتملك على المشتري ملكا صحيحا له بغير رضاه ، وذلك لا يجوز فإنه من نوع الأكل بالباطل وتأيد هذا بقوله : صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31477لا يحل مال امرئ مسلم ، إلا بطيب نفس منه } ; ولأنه بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه على وجه يلحق الضرر بالمشتري في إبطال ملكه عليه ، وليس لأحد أن يدفع الضرر عن نفسه بالإضرار بغيره ولكنا نقول تركنا هذا القياس بالأخبار المشهورة في الباب ، والأصح أن نقول الشفعة أصل في الشرع ، فلا يجوز أن يقال : إنه مستحسن من القياس ، بل هو ثابت ، وقد دلت على ثبوته الأحاديث المشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم . من ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81109الشفعة في كل شيء عقارا وربعا } ، ومن ذلك ما بدأ
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن الكتاب به ورواه عن
المسور بن مخرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج أن
سعد بن مالك رضي الله عنه عرض بيتا له على جار له ، فقال خذه بأربعمائة ، أما إني قد أعطيت به ثمانمائة ، ولكني أعطيكه بأربعمائة لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14004الجار أحق بصقبه } ، وفيه دليل على أن
من أراد بيع ملكه فإنه ينبغي له أن يعرضه على جاره لمراعاة حق المجاورة قال : صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34430ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه } ; ولأنه أقرب إلى حسن العشرة ، والتحرز عن الخصومة ، والمنازعة ; فلهذا فعله
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد رضي الله عنه وحط
[ ص: 91 ] عنه نصف الثمن لتحقيق هذا المعنى وقيل لإتمام الإحسان ، وإن تمام الإحسان أن يحط الشطر ; لما روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي رضي الله عنه كان له دين على إنسان فطالب غريمه ، فقال : أحسن إلي يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : وهبت لك النصف فقيل له : النصف كثير ، فقال : وأين ذهب قوله تعالى {
وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : {
من تمام الإحسان أن يحط الشطر } . فأما قوله : صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14002الجار أحق بسقبه } ، فقد روي هذا الحديث بالسين ، والمراد القرب ، وبالصاد ، والمراد الأخذ ، والانتزاع ، يعني : لما جعله الشرع أحق بالأخذ بعد البيع ، فهو أحق بالعرض عليه قبل البيع أيضا ، وهو دليل لنا على أن
الشفعة تستحق بالجوار ، فإنه ذكر اسما مشتقا من معنى ، والحكم متى علق باسم مشتق ، فذلك المعنى هو الموجب للحكم خصوصا إذا كان مؤثرا فيه كما في قوله تعالى {
الزانية والزاني } ، وقوله تعالى {
والسارق والسارقة } وهذا المعنى مؤثر ; لأن الأخذ بالشفعة لدفع الضرر ، فإن الضرر مدفوع ; لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30905لا ضرر ولا ضرار } في الإسلام ، وذلك يتحقق بالمجاورة ، يعني : الضرر البادي إلى سوء المجاورة على الدوام من حيث إبعاد النار وإعلاء الجدار وإثارة الغبار ومنع ضوء النهار
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يقول : المراد بالجار الشريك ، فقد يطلق اسم الجار على الشريك قال
الأعشى أيا جارتي بيني فإنك طالق كذاك أمور الناس عاد وطارقة
والمراد زوجته ، وهي شريكته في الفراش ، ولكنا نقول في هذا ترك الحقيقة إلى المجاز من غير دليل ، ثم الزوجة تسمى جارة ; لأنها مجاورة في الفراش تتصرف عنه لا ; لأنها تشاركه وفي الحديث ما يدل على بطلان هذا التأويل ، وإن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعدا رضي الله عنه عرض بيتا له على جار له وروى الحديث ، فذلك دليل على أن جميع البيت كان له ، وإنه فهم من الحديث الجار دون الشريك حين استعمل الحديث فيه .