. [ قال رحمه الله ] : وإذا
دفع رجل نخلا له معاملة على أن يلقحه ; فما خرج منه فهو بينهما نصفان ، ولم يشترط صاحب النخل على العامل من السقي والحفظ والعمل شيئا غير التلقيح - نظرت فيه : فإن كان النخل يحتاج إلى الحفظ والسقي فالمعاملة فاسدة لأن العمل يستحق على العامل بالشرط ولا يستحق عليه إلا المشروط ، وإذا كان الثمن لا يحصل بالعمل المشروط عليه فما سواه من الأعمال يكون على رب النخل . ولو شرط عليه ذلك فسد العقد ; لأن موجب المعاملة التخلية بين العامل وبين النخيل ، فاشتراط بعض العمل على رب النخل بعدم التخلية يفسد به العقد ، فكذلك استحقاق ذلك عليه .
وإنما قلنا إن ذلك استحق عليه لأن المقصود هو على الشركة في الخارج ، فلا بد من إقامة العمل الذي به يحصل الخارج ، ولا يمكن إيجاب ذلك على العامل من غير شرط فيكون على رب النخل ذلك ليتمكن من تسليم نصيب العامل من الخارج إليه كما شرطه له ، فإن لقحه العامل فله أجر مثله فيما عمل وقيمة ما لقحه به ; لأنه صرف عين ماله ومنافعه إلى إصلاح ملك الغير بعقد فاسد فيستحق عليه أجر مثله بإزاء منافعه وقيمة ما لقحه به بإزاء العين الذي صرفه إلى ملك الغير ، فإن ابتغى العوض عن جميع ذلك ولم ينل حين كان الخارج كله لصاحب النخل فكان له أجر مثله وقيمة ما لقحه به ، وإن كان
[ ص: 151 ] لا يحتاج إلى حفظ ولا إلى سقي ولا عمل غير التلقيح - فالمعاملة جائزة ; لأن العمل الذي يحصل به الخارج مستحق على العامل بالشرط ، وما وراء ذلك غير محتاج إليه فيكون مستحقا على رب النخل ما لا يحتاج إليه ، فذكره والسكوت عنه سواء . وإن كان لا يحتاج إلى سقي ولكن لو سقي كان أجود لثمرته إلا أن تركه لا يضره - فالمعاملة جائزة ; لأن المستحق بعقد المعاوضة صفة السلامة في العوض ، فأما صفة الجودة فلا تستحق بمطلق العقد ، فلا يكون على رب النخل شيء من العمل هنا .
وإن كان ترك السقي يضره ويفسد بعضه إلا أنه لا يفسد كله - فالمعاملة فاسدة ، لأن بمطلق المعاوضة يستحق صفة السلامة عن العيب وذلك لا يحصل بالعمل المشروط على العامل ; فلا بد من القول باستحقاق بعض العمل على رب النخل وهو ما تحصل به صفة السلامة ، وذلك مفسد للعقد وإن كان ترك اشتراط التلقيح عليه وقد اشترط ما سواه لم يجز ; لأن ترك التلقيح يضره على ما بينا أن النخيل إذا لم يلقح أحشف التمر ، فقد بقي بعض العمل على صاحب النخل وهو ما تحصل به صفة السلامة . وكذلك كل عمل لا يصلح النخل إلا به ولم يشترطه على العامل . ولو كان النخل نخلا لا يحتاج إلى التلقيح ، وكان بحيث يحصل ثمره بغير تلقيح إلا أن التلقيح أجود له - فالمعاملة جائزة ; لأن بمطلق العقد يستحق صفة السلامة لا صفة الجودة .
ولو دفع إليه النخل ملقحا واشترط عليه الحفظ والسقي جاز ; لأن التخلية بين النخل والعامل إنما تشترط بعد العقد وقد وجد ، بخلاف ما إذا دفع إليه غير ملقح ، واشتراط التلقيح على رب النخل فإن ذلك لا يجوز ; لأن التخلية تنعدم عقيب العقد وما يلقحه صاحب النخل ، والمعاملة تلزم بنفسها من الجانبين ، فاشتراط ما يفوت موجبها يفسد العقد ، وفي الأول التلقيح من رب النخل كان قبل العقد فما هو موجب العقد وهو التخلية بين العامل والنخل عقيب العقد موجود ، وإن اشترطا أن يلقحه صاحبه ثم يحفظه العامل ويسقيه لم يجز ; لأن العقد انعقد بينهما في الحال ، فالشرط مفوت موجب العقد ، وإن كان مضافا إلى ما بعد فراغ صاحب النخل من التلقيح - فذلك مجهول لا يدري يعجله صاحب النخل أو يؤخره ، والجهالة في ابتداء مدة المعاملة مفسدة للمعاملة إلا أن يشترط أن يلقحه في هذا الشهر صاحب النخل على أن يحفظه العامل ويسقيه من غرة الشهر الداخل - فيجوز ; لأن ابتداء مدة المعاملة هنا في غرة الشهر الداخل وهو معلوم ، والمعاملة عقد إجارة فتجوز إضافتها إلى وقت في المستقبل .
ولو
دفعه إليه واشترط التلقيح والسقي على العامل والحفظ على رب النخل - لم يجز ; لأن هذا الشرط يعدم التخلية في
[ ص: 152 ] جميع مدة المعاملة ، فالحفظ محتاج إليها الآن لدرك الثمار ; إلا أن يكون في موضع لا يحتاج إلى الحفظ فتجوز المعاملة والشرط باطل ; لأنه إنما يعتبر من الشروط ما يكون مفيدا ، فأما ما لا يفيد فالذكر والسكوت عنه سواء . ولو اشترط التلقيح والحفظ على العامل والسقي على رب النخل لم يجز أيضا ; لأن هذا الشرط يعدم التخلية ، فإن كان قد يصلح بغير سقي إلا أن السقي أفضل له لم يجز أيضا لأن صفة الجودة تستحق بالشرط ، فإذا كانت هذه تحصل بما شرط على رب النخل لم يكن بد من اعتباره ، وإن كان السقي لا يزيد فيه شيئا ولا يضره تركه فالمعاملة جائزة والشرط باطل ; لأنه ليس في هذا الشرط فائدة ، فذكره والسكوت عنه سواء .