1. الرئيسية
  2. تفسير الكشاف
  3. سورة الأنفال
  4. تفسير قوله تعالى إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به
صفحة جزء
[ ص: 560 ] إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام

إذ يغشيكم : بدل ثان من "إذ يعدكم" ، أو منصوب بالنصر ، أو بما في من عند الله ، من معنى الفعل ، أو بما جعله الله ، أو بإضمار اذكر ، وقرئ : "يغشيكم" بالتخفيف والتشديد ، ونصب "النعاس" ، والضمير لله - عز وجل - و “ أمنة" : مفعول له .

فإن قلت : أما وجب أن يكون فاعل الفعل المعلل والعلة واحدا؟

قلت : بلى ، ولكن لما كان معنى "يغشاكم النعاس" ، تنعسون ، انتصب أمنة على أن النعاس والأمنة لهم ، والمعنى : إذ تنعسون أمنة بمعنى أمنا ، أي : لأمنكم ، و “ منه" : صفة لها : أي : أمنة حاصلة لكم من الله ، عز وجل .

فإن قلت : فعلى غير هذه القراءة؟

قلت : يجوز أن تكون الأمنة بمعنى : الإيمان ، أي : ينعسكم إيمانا منه ، أو على يغشيكم النعاس فتنعسون أمنا .

فإن قلت : هل يجوز أن ينتصب على أن الأمنة للنعاس الذي هو فاعل يغشاكم؟

أي : يغشاكم النعاس لأمنه على أن إسناد الأمن إلى النعاس إسناد مجازي ، وهو لأصحاب النعاس على الحقيقة ، أو على أنه أنامكم في وقت كان من حق النعاس في مثل ذلك الوقت المخوف أن لا يقدم على غشيانكم ، وإنما غشيكم أمنة حاصلة من الله لولاها لم يغشكم على طريقة التمثيل والتخييل؟

[ ص: 561 ] قلت : لا تبعد فصاحة القرآن عن احتماله ، وله فيه نظائر ، وقد ألم به من قال : [من الوافر] :


يهاب النوم أن يغشى عيونا تهابك فهو نفار شرود



وقرئ " أمنة " : بسكون الميم ، ونظير : "أمن أمنة" "حيي حياة" ، ونحو : "أمن أمنة" "رحم رحمة" ، والمعنى : أن ما كان بهم من الخوف كان يمنعهم من النوم ، فلما طمأن الله قلوبهم وأمنهم رقدوا ، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : النعاس في القتال : أمنة من الله ، وفي الصلاة : وسوسة من الشيطان ، "وينزل" : قرئ بالتخفيف والتثقيل ، وقرأ الشعبي : "ما ليطهركم به" : قال ابن جني : "ما" موصولة وصلتها حرف الجر بما جره ; فكأنه قال : ما للطهور ، و رجز الشيطان : وسوسته إليهم ، وتخويفه إياهم من العطش ، وقيل : الجنابة ; لأنها من تخييله ، وقرئ : "رجس الشيطان" ; وذلك أن إبليس تمثل لهم ، وكان المشركين قد سبقوهم إلى الماء ; ونزل المسلمون في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء ، وناموا فاحتلم أكثرهم ، فقال لهم : أنتم يا أصحاب محمد تزعمون أنكم على الحق ، وأنكم تصلون على غير وضوء وعلى الجنابة ، وقد عطشتم ، ولو كنتم على حق ما غلبكم هؤلاء على الماء وما ينتظرون بكم إلا أن يجهدكم العطش ، فإذا قطع العطش أعناقكم مشوا إليكم فقتلوا من أحبوا ، وساقوا بقيتكم إلى مكة ، فحزنوا حزنا شديدا وأشفقوا ; فأنزل الله - عز وجل المطر ; فمطروا ليلا حتى جرى الوادي ، واتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الحياض على عدوة الوادي ، وسقوا الركاب ، واغتسلوا [ ص: 562 ] وتوضؤوا ، وتلبد الرمل الذي كان بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام ، وزالت وسوسة الشيطان ، وطابت النفوس ، والضمير في "به" : للماء ، ويجوز أن يكون للربط ; لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر والجراءة ، ثبتت القدم في مواطن القتال .

التالي السابق


الخدمات العلمية