ولما دعاهم إلى مكارم الأخلاق؛ ونهاهم عن مساوئها؛ بقبوله لمن أقبل إليه؛ وإن عظم جرمه؛ إجابة لدعوة أبيهم
إبراهيم - عليه السلام - في قوله:
فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ؛ أتبع ذلك ذكره؛ ترغيبا في اتباعه في التوحيد؛ والميل مع الأمر؛ والنهي؛ إقداما؛ وإحجاما؛ إن كانوا ممن يتبع الحق؛ أو يقلد الآباء؛ فقال - على سبيل التعليل لما قبله -:
إن إبراهيم ؛ أي: أباكم الأعظم؛ إمام الموحدين؛
كان أمة ؛ فيه من المنافع الدنيوية؛ والأخروية؛ ما يوجب أن يؤمه ويقصده كل أحد يمكن انتفاعه به؛
قانتا ؛ أي: مخلصا؛
لله ؛ أي: الملك الذي له الأمر كله؛ ليس فيه شيء من الهوى؛
حنيفا ؛ ميالا مع الأمر؛ والنهي؛ بنسخ أو بغيره؛ فكونوا حنفاء؛ أتباعا للحق؛
[ ص: 273 ] لما قام عليه من الأدلة؛ واستنانا بأعظم آبائكم.
ولما كان السياق لإثبات الكمال
لإبراهيم - عليه السلام -؛ وكانت الأوصاف الثبوتية قريبة المأخذ؛ سريعة الوصول إلى الفهم؛ وأتى بعدها وصف سلبي بجملة؛ حذف نون "يكن"؛ منها إيجازا؛ وتقريبا للفهم؛ تخفيفا عليه؛ وحفظا له من أن يذهب قبل تمامها إلى غير المراد؛ وإعلاما بأن الفعل منفي عنه - عليه السلام - على أبلغ وجوه النفي؛ لا ينسب إليه شيء منه؛ ولو قل؛ فقيل:
ولم يك ؛ ولما كانوا مشركين؛ هم وكثير من أسلافهم؛ قبح عليهم ذلك؛ بأن أعظم من يعتقدون عظمته من آبائهم ليس من ذلك القبيل؛ فقال (تعالى):
من المشركين ؛ الواقفين مع الهوى؛ فلا تكونوا منهم;