[ ص: 302 ] سورة التحريم
وهي مدنية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا
قوله تعالى:
لم تحرم ما أحل الله لك في سبب نزولها قولان .
أحدهما:
أن nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ذهبت إلى أبيها تتحدث عنده، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته، فظلت معه في بيت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة، وكان اليوم [الذي] يأتي فيه nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، [ ص: 303 ] فرجعت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة، فوجدتها في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها، وغارت غيرة شديدة . فلما دخلت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة قالت: قد رأيت من كان عندك . والله لقد سؤتني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله لأرضينك، وإني مسر إليك سرا فاحفظيه" قالت: وما هو؟ قال "إني أشهدك أن سريتي هذه علي حرام رضى لك"، وكانت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة متظاهرتين على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلقت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة إلى nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، فقالت لها: أبشري، إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه فتاته، فنزلت هذه الآية رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر نحو هذا المعنى، وقال فيه:
فقالت nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة: كيف تحرمها عليك، وهي جاريتك؟! فحلف لها أن لا يقربها، فقال لها: "لا تذكريه لأحد" فذكرته nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة، فآلى أن لا يدخل على نسائه شهرا، فنزلت هذه الآية وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك: قال لها: "لا تذكري nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة ما رأيت"، فذكرته، فغضبت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة، ولم تزل بنبي الله حتى حلف أن لا يقربها، فنزلت هذه الآية، وإلى هذا المعنى: ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي، nindex.php?page=showalam&ids=17073ومسروق، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل، والأكثرون .
[ ص: 304 ] والثاني: ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل، وكان إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه، فدخل على nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بنت عمر، واحتبس عندها، فسألت عن ذلك، فقيل: أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أما والله لنحتالن له، فقلت nindex.php?page=showalam&ids=93لسودة: إنه سيدنو منك إذا دخل عليك، فقولي له: يا رسول الله أكلت مغافير، فإنه سيقول لك: سقتني nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة شربة عسل، فقولي: جرست نحله العرفط وسأقول ذلك، وقولي أنت يا صفية ذلك، فلما دار إلى nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة قالت له: يا رسول الله أسقيك منه؟ قال: لا حاجة لي فيه، قالت: تقول: nindex.php?page=showalam&ids=93سودة سبحان الله، والله لقد حرمناه قلت لها: اسكتي، أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم في "الصحيحين" . وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: [ ص: 305 ] أن التي شرب عندها العسل
nindex.php?page=showalam&ids=93سودة، فقالت له
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة: إني لأجد منك ريحا، ثم دخل على
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة، فقالت: إني أجد منك ريحا فقال: " إني أراه من شراب شربته عند
nindex.php?page=showalam&ids=93سودة، والله لا أشربه" ، فنزلت هذه الآية . وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن التي شرب عندها العسل
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش، فتواطأت
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة أن تقولا له ذلك القول . قال
أبو عبيد: المغافير: شيء شبيه بالصمغ فيه حلاوة . وخرج الناس يتمغفرون: إذا خرجوا يجتنونه . ويقال: المغاثير بالثاء، مثل جدث، وجدف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: المغافير: صمغ متغير الرائحة، فخرج في المراد بالذي أحل الله له قولان .
[ ص: 306 ] أحدهما: أنه جاريته . والثاني: العسل .
قوله تعالى:
تبتغي مرضات أزواجك أي: تطلب رضاهن بتحريم ذلك .
والله غفور رحيم غفر الله لك التحريم .
قد فرض الله لكم قال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل: قد بين الله لكم
تحلة أيمانكم أي: كفارة أيمانكم، وذلك البيان في [المائدة: 89] قال المفسرون: وأصل "تحلة" تحللة على وزن تفعلة، فأدغمت، والمعنى: قد بين الله لكم تحليل أيمانكم بالكفارة، فأمره الله أن يكفر يمينه، فأعتق رقبة .
[ ص: 307 ] واختلفوا هل حرم
مارية على نفسه بيمين، أم لا؟ على قولين .
أحدهما: حرمها من غير ذكر يمين، فكان التحريم موجبا لكفارة اليمين، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثاني: أنه حلف يمينا حرمها بها، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن . nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، والله مولاكم أي: وليكم وناصركم .
قوله تعالى:
وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا يعني:
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة من غير خلاف علمناه .
وفي هذا السر ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه قال لها: " إني مسر إليك سرا فاحفظيه، سريتي هذه علي حرام "، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم، وابنه،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . [ ص: 308 ] والثاني: أنه قال لها: " أبوك،
وأبو عائشة ، واليا الناس من بعدي، فإياك أن تخبري أحدا "، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثالث: أنه أسر إليها أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر خليفتي من بعدي، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران . [ ص: 309 ] قوله تعالى:
فلما نبأت به أي: أخبرت به
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة "وأظهره الله عليه" أي: أطلع الله نبيه على قوله
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، لأنه استكتم
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ذلك، ثم دعاها، فأخبرها ببعض ما قالت، فذلك قوله تعالى:
عرف بعضه وأعرض عن بعض وفي الذي عرفها إياه قولان .
أحدهما: أنه حدثها ما حدثتها
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة من شأن
أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر، وسكت عما أخبرت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة من تحريم
مارية، لأنه لم يبال ما أظهرت من ذلك، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثاني: أن الذي عرف: تحريم
مارية، والذي أعرض عنه: ذكر الخلافة لئلا ينتشر، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك، وهذا اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . قال: ومعنى "عرف بعضه" عرف
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بعضه . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي، "عرف" بالتخفيف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: على هذه القراءة قد عرف كل ما أسره، غير أن المعنى جار على بعضه كقوله تعالى:
وما تفعلوا من خير يعلمه الله [البقرة: 179]، أي: يعلمه ويجاز عليه، وكذلك:
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره [الزلزلة: 7] أي: ير جزاءه . فقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم طلق
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة تطليقة، فكان ذلك جزاءها عنده، فأمره الله أن يراجعها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل بن حيان: لم يطلقها، وإنما هم بطلاقها، فقال له
جبريل: لا تطلقها، فإنها صوامة قوامة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: ما استقصى كريم قط، ثم قرأ
عرف [ ص: 310 ] بعضه وأعرض عن بعض . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب، وابن السميفع "عراف" برفع العين، وتشديد الراء وبألف "بعضه" بالخفض .
قوله تعالى:
فلما نبأها به أي: أخبر
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة بإفشائها السر
"قالت من أنبأك هذا" أي: من أخبرك بأني أفشيت سرك؟
قال نبأني العليم الخبير ثم خاطب
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة، فقال:
إن تتوبا إلى الله أي: من التعاون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيذاء
فقد صغت قلوبكما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: زاغت، وأثمت . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: عدلت، وزاغت عن الحق . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: كنا نرى قوله تعالى:
فقد صغت قلوبكما شيئا هينا حتى وجدناه في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: فقد زاغت قلوبكما . وإنما جعل القلبين جماعة لأن كل اثنين فما فوقهما جماعة . وقد أشرنا إلى هذا في قوله تعالى:
فإن كان له إخوة [النساء: 11] وقوله تعالى:
إذ تسوروا المحراب [ص: 11] . قال المفسرون: وذلك أنهما أحبا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته، "وإن تظاهرا" وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، nindex.php?page=showalam&ids=12067وأبو عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش "تظاهرا" بتخفيف الظاء، أي: تعاونا على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء
"فإن الله هو مولاه" أي: وليه في العون، والنصرة
"وجبريل" وليه
"وصالح المؤمنين" وفي المراد بصالح المؤمنين ستة أقوال .
أحدها: أنهم
أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك .
والثاني:
أبو بكر، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول عن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة .
والثالث:
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15992ابن جبير، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد .
والرابع: خيار المؤمنين، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع بن أنس . [ ص: 311 ] والخامس: أنهم الأنبياء، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة، والعلاء بن زياد العدوي، nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان .
والسادس: أنه
علي رضي الله عنه، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: "وصالح المؤمنين" موحد في مذهب جميع، كما تقول: لا يأتيني إلا سائس الحرب، فمن كان ذا ساسة للحرب، فقد أمر بالمجيء، ومثله قوله تعالى:
والسارق والسارقة [المائدة: 38]، وقوله تعالى:
واللذان يأتيانها منكم [النساء: 16]، وقوله تعالى:
إن الإنسان خلق هلوعا [المعارج: 19] في كثير من القرآن يؤدي معنى الواحد عن الجميع .
قوله تعالى:
والملائكة بعد ذلك ظهير أي: ظهرا، وهذا مما لفظه لفظ الواحد، ومعناه الجميع، ومثله
يخرجكم طفلا [غافر: 67]، وقد شرحناه هناك . ثم خوف نساءه، فقال تعالى:
عسى ربه إن طلقكن وسبب نزولها ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال: بلغني بعض ما آذى به رسول الله نساؤه، فدخلت عليهن، فجعلت أستقرئهن واحدة واحدة، فقلت: والله لتنتهن، أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن، فنزلت هذه الآية . والمعنى: واجب من الله
"إن طلقكن" رسوله
"أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات" أي: خاضعات لله بالطاعة
"مؤمنات" مصدقات بتوحيد الله
"قانتات" أي: طائعات
"سائحات" فيه قولان .
[ ص: 312 ] أحدهما: صائمات، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، والجمهور . وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى:
السائحون [التوبة: 112] .
والثاني: مهاجرات، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم، وابنه . "والثيبات" جمع ثيب، وهي المرأة التي قد تزوجت، ثم ثابت إلى بيت أبويها، فعادت كما كانت غير ذات زوج . "والأبكار": العذارى .