معجزة القرآن وقولهم فيها
قال الله تعالى:
وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينـزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون قل نـزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون [ ص: 4269 ] كان المشركون لا يعدون القرآن معجزة تساوي معجزات النبيين السابقين كعصا
موسى وإبراء
عيسى للأكمه والأبرص، وإخبار الناس بما في بيوتهم وما يدخرون فيها وإحياء الموتى، وإخراجهم من قبورهم بإذن الله وإنزال المائدة من السماء ليأكلوا منها؛ كانوا يطالبون النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعجزات مادية حسية، ولا يقنعون بأن تكون المعجزة قرآنا يقرأ فبين الله تعالى أنه الذي يأتي بالمعجزات الدالة على أنه أرسل الرسل، فهي أمارات الرسالة يعلم بها من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه من عنده.
فقال تعالى ردا على طلبهم آية:
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينـزل قالوا إنما أنت مفتر أي: إذا جئتنا بالقرآن آية على صدق الرسول مكان آية أخرى حسية، رفضناها وجئنا بهذه الآية المعنوية مكانها، والله صاحب الآيات والرسالات أعلم بالصالح منها،و(أعلم) أفعل تفضيل على غير بابه؛ لأنه لا مفاضلة بين علم الله تعالى، وعلم غيره.
وعلم الله تعالى بما ينزل البالغ أقصى كمال العلم، اقتضى أن تكون معجزته قرآنا يقرأ، وباق يتحدى الأجيال جيلا بعد جيل إلى يوم القيامة، وهو القادر على كل شيء؛ لأن المعجزات الحسية إعجاز وقتي ينقضي بعد وقته، ولا يعجز إلا من رآه أو تواتر خبره من بعده، وإن القرآن المعجزة الكبرى الخالدة الباقية إلى يوم القيامة هي التي سجلت معجزات النبيين من قبله.
يقولون غير مصدقين معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم -:
إنما أنت مفتر أي: إنما أنت كذاب قد افتريت الرسالة وادعيتها من غير حجة ولا برهان، وقد رد الله تعالى
[ ص: 4270 ] قولهم بقوله سبحانه:
بل أكثرهم لا يعلمون (بل) للرد عليهم، والإضراب عن قولهم الناشئ عنه، وقال سبحانه: (أكثرهم) للدلالة على أن الذين صدقوا وآمنوا بالمعجزة هم الأقل عددا، وإن كانوا الأكثرين إدراكا وعلما.
ذكرنا في كلامنا أن معنى الآية المعجزة الدالة على رسالة الرسول، وأن الله تعالى يرفع معجزات كانت قد جاءت مؤيدة رسالات الأنبياء السابقين قد بدلها الله تعالى، وأتى بمعجزة صالحة للبقاء تتناسب مع رسالة خاتم النبيين الذي تكون رسالته حجة على العالمين إلى يوم القيامة، فتكون قائمة ثابتة تنادي بحجية ما يدعو إليه يوم القيامة.
ولكن أكثر المفسرين يفسرون الآية بالآية المتلوة حتى
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري، ويقولون إن معنى الآية: وإذا بدل الله آية فنسخها ورفعها وجاء بآية أخرى لمصلحة في الأولى في حكمها في زمانها. والإتيان بآية أخرى لمصلحة حكمها في هذا الزمان الذي جاءت، وإن ذلك جرى على أقلام أولئك المفسرين لرواج فكرة النسخ تلاوة وحكما، وحكما لا تلاوة، وتلاوة لا حكما كما ادعى في الرجم، وإن ذلك أداهم إلى التساهل في دعوى الرجم، ولو كان الجمع بين الآيتين ممكنا لا تخالف بينهما.
وإن الذي ذكرناه أولا هو المقبول عندنا، فلا نسخ في هذا الموضع على الأقل في آية من القرآن للوجوه الآتية:
الوجه الأول: أن الكلام في موضوع القرآن ذاته، وكونه مفترى أو قام الدليل على صدقه لظاهر قوله عنهم:
قالوا إنما أنت مفتر فحصروه في الافتراء فنفوا الرسالة كلها، ويناسب ذلك أن يكون التبديل في المعجزات السابقة، ووضع القرآن في موضعها.