فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا أقسم بذاته العلية الكريمة؛ مضافا إلى نبيه؛ بيانا لإعزازه؛ وإعلائه وتكريمه؛ وكان القسم بالذات العلية بعنوان الربوبية الكالئة الحامية المتصلة بالإنسان؛ وبأكرم إنسان؛ وهو
محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وفي ذلك إشارة إلى أن البعث من الربوبية؛ فهو كما أنشأكم؛ وكلأكم؛ و "ربكم "؛ يبعثكم؛ فهو لم يخلقكم عبثا؛ والفاء هنا للتعقيب على التوبيخ؛ بتأكيد الأمر الذي قرره؛ وقدره؛ وأنكروه؛ بل استنكروه؛ واللام في قوله (تعالى):
لنحشرنهم لام القسم؛ الواقعة في جوابه؛ ولذا أكد بنون التوكيد الثقيلة؛ والواو واو المعية؛ في قوله (تعالى):
والشياطين أي أنهم يحشرون معهم؛ وهم الذين أضلوهم؛ وجعلوهم - بالأوهام التي بثت فيهم - يعبدون الأوثان.
[ ص: 4674 ] ثم ذكر (تعالى)
ما يكون بعد الحشر؛ وهو إحضارهم إلى جهنم؛ فقال (تعالى) مقسما:
ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا "ثم "؛ عاطفة على جواب القسم: "لنحشرنهم "؛ فهو - سبحانه - بعد أن يحشرهم مع شياطينهم الذين وسوسوا لهم بعبادة الأوثان يحضرهم؛ وإن ذلك - وإن كان خاصا بالكفرة; لأنهم الذين أغواهم الشياطين وأضلوهم - أضيف إلى الجميع؛ الأبرار؛ والفجار; لأن الحشر للجميع؛ والجميع يرون جهنم كي تتلى الآيات من بعد.
والإحضار حول جهنم جاثين على ركبهم; ولذا قال (تعالى):
ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا و "الجثي "؛ جمع جاث؛ وهم الجالسون على ركبهم؛ فقال (تعالى):
وترى كل أمة جاثية ؛ وذلك يكون في أحوال تناقلات القول؛ وذلك من تجاثي أهلها على ركبهم؛ وذلك يكون في حال الاستفزاز والقلق؛ وكأنهم لهول ما يرون يتجاثون على ركبهم فزعين؛ قد أصابهم الهلع؛ ويكونون حول جهنم مترقبين ما يكون من أمرهم في جزع.
والعطف بـ "ثم "؛ يقتضي فاصلا بأمد ليس قصيرا بين الحشر والإحضار؛ وذلك الأمد يكون فيه الحساب؛ ويكون ما يقرره الله لأهل البر؛ وما يقرره للفجار؛ فكل يحضر حول جهنم؛ ثم يكون الأبرار بعد ذلك للجنة؛ إذ يرون ما آل إليه أمر الكفار؛ كما سنتلو قوله (تعالى):
وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ويقول في
أحوال يوم القيامة وأهواله: