( قوله وإذا شهدوا بالزنا سألهم الحاكم ) عن خمسة أشياء ( عن الزنا ما هو وكيف هو وأين زنى ومتى زنى وبمن زنى ) ثم استدل المصنف على وجوب هذه الأشياء بأنه صلى الله عليه وسلم استفسر ماعزا عن الكيفية وعن المزنية ، ولأن الاحتياط المطلوب شرعا في ذلك فهذا الوجه يعم الخمسة ، والسمعي مقتصر على اثنين منها .
وفي التحقيق هو حالة تتعلق بالزاني نفسه ، ثم يحتمل كون المشهود عليه زنى في دار الحرب وليس فيه حد عندنا فلهذا سألهم أين زنى ، ويحتمل كونه في زمان متقادم ولا حد فيه إذا ثبت بالبينة أو في زمن صباه فلهذا سألهم متى زنى ، وحد التقادم سيأتي ، ثم يحتمل كون المزنى بها ممن لا يحد بزناها وهم لا يعلمون كجارية ابنه أو كانت جاريته أو زوجته ولا يعلمها الشهود كما قال المغيرة حين شهد عليه كيف حل لهؤلاء أن ينظروا في بيتي وكانت في بيت أحدهم كوة يبدو منها للناظر ما في بيت المغيرة ، فاجتمعوا عنده فشهدوا ، وقال المغيرة : والله ما أتيت إلا امرأتي ، ثم إن الله تعالى درأه عنه بعدم قول زياد وهو الرابع رأيته كالميل في المكحلة فحد nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه الثلاثة ولم يحده ; لأنه ما نسب إليه الزنا ، بل قال رأيت قدمين مخضوبتين وأنفاسا عالية ولحافا يرتفع وينخفض وهو لا يوجب الحد .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق في تفسيره بسنده عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ثم سألهم أن يتوبوا فتاب اثنان فقبلت شهادتهما ، وأبى nindex.php?page=showalam&ids=130أبو بكرة أن يتوب فكانت شهادته لا تقبل حتى مات وعاد مثل العضو من العبادة ا هـ . فلهذا يسألهم عن المزنى بها من هي ، وقياسه في الشهادة على زنا امرأة أن يسألهم عن الزاني بها من هو ، فإن فيه أيضا الاحتمال المذكور وزيادة ، وهو جواز كونه صبيا أو مجنونا إن مكنت أحدهما فإنه لا يجب عليه في ذلك حد على قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ولو سألهم فلم يزيدوا على قولهم أنهما زنيا لم يحد المشهود عليه ولا الشهود ; لأنهم شهدوا بالزنا ولم يثبت قذفهم ; لأنهم لم يذكروا ما ينفي كون ما ذكروه زنا ليظهر قذفهم لغير الزاني بالزنا ، بخلاف ما لو وصفوه
( قوله وإذا بينوا ذلك وقالوا رأيناه وطئها في فرجها كالميل في المكحلة ) وهي بضم الميم والحاء ، وهو حاصل جواب السؤال عن كيفية الزنا في الحقيقة ، وسأل القاضي عنهم فعدلوا في السر ، بأن يبعث ورقة فيها أسماؤهم وأسماء محلتهم على وجه يتميز كل منهم لمن يعرفه فيكتب تحت اسمه هو عدل مقبول الشهادة ، والعلانية بأن يجمع بين المعدل والشاهد فيقول هذا هو الذي عدلته حكم بشهادتهم وهو الحكم بوجوب حده ، وهذا ما وعد المصنف بيانه في الشهادات ، وبقي شرط آخر وهو أن يعلم أن الزنا حرام مع ذلك كله ، ونقل في اشتراط العلم بحرمة الزنا إجماع الفقهاء ولم يكتف بظاهر العدالة ، وهو كونه مسلما لم يظهر عليه فسق كما اكتفى بها nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة في الأموال احتيالا للدرء . ولما كان لزوم هذا على الحاكم موقوفا على ثبوت إيجاب الدرء ما أمكن استدل عليه بما رواه أبو يعلى في مسنده من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=13252ادرءوا الحدود ما استطعتم } ، ورواه الترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها عنه عليه الصلاة والسلام قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=66467ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن كان لها مخرج فخلوا سبيله ، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة } قال الترمذي : لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث محمد بن ربيعة عن يزيد بن زياد ويزيد ضعيف . وأسند في علله عن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري يزيد منكر الحديث ذاهب ، وصححه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم وتعقبه الذهبي به .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : والموقوف أقرب إلى الصواب ، ولا شك أن هذا الحكم وهو درء الحد مجمع عليه وهو أقوى ، وكان ذكر هذه ذكرا لمستند الإجماع . واعلم أن القاضي لو كان يعلم عدالة الشهود لا يجب عليه السؤال عن عدالتهم ; لأن علمه يغنيه عن ذلك وهو أقوى من الحاصل له من تعديل المزكى ، ولولا ما ثبت من إهدار الشرع علمه بالزنا في إقامة الحد بالسمع الذي ذكرناه لكان يحده بعلمه ، لكن ثبت ذلك هناك ولم يثبت في تعديل الشهود إهدار علمه بعدالتهم فوجب اعتباره ( قوله قال في الأصل ) أي قال إذا وصف الشهود الأشياء المذكورة يحبس القاضي المشهود عليه بالزنا [ ص: 218 ] إلى أن يسأل عن عدالة الشهود ; لأنه متهم وقد يهرب ، ولا وجه لأخذ الكفيل منه ; لأن أخذ الكفيل نوع احتياط وليس بمشروع فيما يندرئ بالشبهات . فإن قيل : الاحتياط في الحبس أظهر منه في أخذ الكفيل . أجاب بأن حبسه ليس للاحتياط بل هو تعزير له ; لأنه صار متهما بالفواحش بشهادة هؤلاء وإن لم يثبت الزنا الموجب للحد بعد ، وحبس المتهمين تعزيرا لهم جائز ، بخلاف ما إذا شهدوا بالدين لا يحبس المشهود عليه به قبل ظهور عدالة الشهود ; لأن أقصى العقوبات بعد ثبوت العدالة والقضاء بموجب الشهادة الحبس فلا يجوز أن يفعله قبل ثبوت الحق ، بخلاف ما هنا فإن بعد الثبوت عقوبته أغلظ ، وهذا هو الفرق الذي وعده المصنف بقوله : وسيأتيك الفرق .