وقوله - جل وعز - :
ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ؛ " لو " ؛ يمنع بها الشيء لامتناع غيره؛ تقول : " لو جاءني زيد لجئته " ؛ المعنى أن مجيئي امتنع لامتناع مجيء زيد؛ فحقها أن يليها الأفعال؛ إلا أن " أن " ؛ المشددة تقع بعدها؛ لأن " أن " ؛ في اللغة تنوب عن الاسم؛ والخبر؛ تقول : " ظننت أنك عالم " ؛ وهذا كقولك : " ظننتك عالما " ؛ والمعنى : " ظننت علمك " ؛ فالمعنى في " أن " ؛ بعد " لو " ؛ أنها نابت عن الفعل والاسم؛ كما نابت عن الاسم والخبر؛ فالمعنى في قوله :
ولو أنا كتبنا عليهم ؛ كالمعنى في " لو كتبنا عليهم " ؛ وجائز أن يكون مضمرا الفعل مع " أن " ؛ مع وقوع قابلها؛ المعنى : " ولو وقع وكتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم " ؛ وإن شئت كسرتها لالتقاء الساكنين؛ أعني : " أن اقتلوا أنفسكم " ؛ وإن شئت قلت : " أن اقتلوا " ؛ فضممتها لانضمام التاء.
[ ص: 72 ] nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو بن العلاء يختار مع النونات خاصة الكسر؛ ومع سائر ما في القرآن - إذا كان ما بعدها مضموما - الضم؛ إلا قوله :
وقالت اخرج عليهن ؛
ولقد استهزئ برسل من قبلك ؛ ولست أعرف في هذين الحرفين خاصية
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو إياهما بالكسر؛ إلا أن يكون روى رواية فاختار الكسر لهذه العلة؛ أو يكون أراد أن الكسر جاز أيضا؛ كما جاز الضم؛ وهذا أجود التأويلين؛ وللكسر والضم في هذه الحروف وجهان جيدان؛ قد قرأت القراء بهما؛ فأما رفع
إلا قليل منهم ؛ فعلى البدل من الواو؛ المعنى : " ما فعله إلا قليل منهم " ؛ والنصب جائز في غير القرآن؛ على معنى : " ما فعلوه أستثني قليلا منهم " ؛ وعلى ما فسرنا في نصب الاستثناء؛ فإن كان في النفي نوعان مختلفان فالاختيار النصب؛ والبدل جائز؛ تقول : " ما بالدار أحد إلا حمارا " ؛ قال
النابغة الذبياني :
وقفت فيها أصيلالا أسائلها ... عيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأيا ما أبينها
... والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
[ ص: 73 ] فقال : " ما بالربع من أحد " ؛ أي : ما بالربع أحد؛ إلا أواري؛ لأن الأواري ليست من الناس؛ وقد يجوز الرفع على البدل؛ وإن كان ليس من جنس الأول؛ كما قال الشاعر :
وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس
فجعل اليعافير والعيس بدلا من الأنيس؛ وجائز أن يكون أنيس ذلك البلد اليعافير والعيس.