قوله: " تمطر " بتشديد الطاء على وزن تفعل، وباب تفعل يأتي لمعان للتكلف كتشجع; لأن معناه كلف نفسه الشجاعة، وللاتخاذ نحو توسدت التراب، أي اتخذته وسادة، وللتجنب نحو تأثم، أي جانب الإثم، وللعمل، يعني: فيدل على أن أصل الفعل حصل مرة بعد مرة نحو تجرعته، أي شربته جرعة بعد جرعة، وقال بعضهم: أليق المعاني هنا أنه بمعنى مواصلة العمل في مهلة نحو تفكر، ولعله أشار إلى ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت ، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=857060حسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه المطر ، وقال: لأنه حديث عهد بربه، قال العلماء: معناه قريب العهد بتكوين ربه، فكأن المصنف أراد أن يبين أن تحادر المطر على لحيته صلى الله عليه وسلم لم يكن اتفاقا، وإنما كان قصدا، فلذلك ترجم بقوله: " من تمطر "، أي قصد نزول المطر عليه; لأنه لو لم يكن باختياره لنزل عن المنبر أول ما وكف السقف، لكنه تمادى في خطبته حتى كثر نزوله بحيث تحادر على لحيته، انتهى. (قلت): الذي ذكره أهل الصرف في معاني تفعل هو الذي ذكرناه، والذي ذكره هذا القائل يقرب من المعنى.
الرابع: ولكن لا يدل على هذا شيء مما في حديث الباب، وقوله: " ولعله " أشار إلى أن ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم لا يساعده; لأن حديث nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم لا يدل على مواصلة العمل في مهلة، وإنما الذي يدل هو أنه صلى الله عليه وسلم كشف ثوبه ليصيبه المطر لما ذكره من المعنى، وهذا لا يدل على أنه واصل ذلك، وتمادى فيه حتى يطلق عليه أنه تمطر وقصد هذا المعنى في الحديث غير صحيح، ولا وضع الترجمة المذكورة على هذا المعنى.
وقوله: " تحادر المطر على لحيته صلى الله عليه وسلم " لم يكن اتفاقا، وإنما كان قصدا غير مسلم من وجهين أحدهما أن الذي تحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا من الماء النازل من وكف السقف، وإن كان هو من المطر في الأصل، ولم يكن في المطر الذي أصاب ثوبه صلى الله عليه وسلم في حديث nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم حاجز بينه، وبين الموضع الذي وصل إليه، والآخر أن قوله: إنما كان قصدا دعوى بلا برهان، وليس في الحديث ما يدل على ذلك، واستدلاله على ما ادعاه بقوله: لأنه لو لم يكن باختياره لنزل عن المنبر إلى آخره لا يساعده; لأن لقائل أن يقول: عدم نزوله من المنبر إنما كان لئلا تنقطع الخطبة.