ثم كون الجمعة أفضل الأيام لا يرجع ذلك إلى عين اليوم ; لأن الأيام متساوية في أنفسها ، وإنما يفضل بعضها بعضا بما به من أمر زائد على نفسه . ويوم الجمعة قد خص من جنس العبادات بهذه الصلاة المعهودة التي يجتمع لها الناس ، وتتفق هممهم ودواعيهم ودعواتهم فيها ، ويكون حالهم فيها كحالهم في يوم عرفة ، فيستجاب لبعضهم في بعض ، ويغفر لبعضهم ببعض ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : الجمعة حج المساكين ; أي : يحصل لهم فيها ما يحصل لأهل عرفة . والله أعلم . ثم إن الملائكة يشهدونهم ، ويكتبون ثوابهم ، ولذلك سمي هذا اليوم : المشهود ، ثم تخطر فيه لقلوب العارفين من الألطاف والزيادات بحسب ما يدركونه من ذلك ، ولذلك سمي : بيوم المزيد ، ثم إن الله تعالى قد خصه بالساعة التي فيه على ما يأتي ذكرها ، ثم إن الله تعالى قد خصه بأن أوقع فيه هذه الأمور العظيمة التي هي : خلق آدم الذي هو أصل البشر ، ومن ولده الأنبياء والأولياء والصالحون ، ومنها : إخراجه من الجنة الذي حصل عنده إظهار معرفة الله وعبادته في هذا النوع الآدمي . ومنها : توبة الله عليه التي بها ظهر لطفه تعالى ورحمته لهذا النوع الآدمي مع اجترامه ومخالفته . ومنها : موته الذي بعده وفي أجره ، ووصل [ ص: 491 ] إلى مأمنه ، ورجع إلى المستقر الذي خرح منه . ومن فهم هذه المعاني ، فهم فضيلة هذا اليوم وخصوصيته بذلك ، فحافظ عليه وبادر إليه .