و (قوله تعالى : " كل مال نحلته عبدا حلال ") معنى نحلته : أعطيته ، والنحلة : العطية - كما تقدم - ويعني بها هنا : العطية بطريق شرعي ، فكأنه قال : كل [ ص: 712 ] من ملكته شيئا بطريق شرعي ، قليلا كان أو كثيرا ، خطيرا كان أو حقيرا ، فالانتفاع له به مباح مطلقا ، لا يمنع من شيء منه ، ولا يزاحم عليه ، والمال هنا : كل ما يتمول ، ويتملك من سائر الأشياء ، وفائدة هذه القضية الكلية رفع توهم من يتوهم أن ما يستلذ ويستطاب من رفيع الأطعمة والملابس والمناكح والمساكن محرم ، أو مكروه ، وإن كان ذلك من الكسب الجائز ، كما قد ذهب إليه بعض غلاة المتزهدة . وسيأتي استيعاب هذا المعنى في كتاب الزهد ، إن شاء الله تعالى .
و (قوله : " وإني خلقت عبادي كلهم حنفاء ") هو جمع حنيف ، وهو : المائل عن الأديان كلها إلى فطرة الإسلام ، وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة ") وقد تقدم في كتاب القدر .
و (قوله : " وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ") يعني : شياطين الإنس من الآباء والمعلمين بتعليمهم ، وتدريبهم ، وشياطين الجن بوساوسهم . ومعنى اجتالتهم : أجالتهم ، أي : صرفتهم عن مقتضى الفطرة الأصلية ، كما قال : " حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه" . وفي الرواية الأخرى : " حتى يعبر عنه لسانه " يعني بما يلقي إليه الشيطان من الباطل والفساد المناقض لفطرة الإسلام .