( فصل ) :
( خطاب الوضع ) ( في اصطلاح الأصوليين ) ( خبر ) أي ليس بإنشاء ، بخلاف خطاب التكليف ( استفيد من نصب الشارع علما معرفا لحكمه ) وإنما قيل ذلك لتعذر معرفة خطابه في كل حال وفي كل واقعة ، بعد انقطاع الوحي ، حذرا من تعطيل أكثر الوقائع عن الأحكام الشرعية . وسمي بذلك لأنه شيء وضعه الله في شرائعه . أي جعله دليلا وسببا وشرطا ، لا أنه أمر به عباده ، ولا أناطه بأفعالهم ، من حيث هو خطاب وضع ، ولذلك لا يشترط العلم والقدرة في أكثر خطاب الوضع ، كالتوريث ونحوه . قال
الطوفي في شرحه : ويسمى هذا النوع خطاب الوضع والإخبار .
أما معنى الوضع : فهو أن الشرع وضع - أي شرع - أمورا ، سميت أسبابا وشروطا وموانع ، يعرف عند وجودها أحكام الشرع من إثبات أو نفي . فالأحكام توجد بوجود الأسباب والشروط ، وتنتفي بوجود المانع وانتفاء الأسباب والشروط . وأما معنى الإخبار : فهو أن الشرع بوضع هذه الأمور : أخبرنا بوجود أحكامه وانتفائها ، عند وجود تلك الأمور وانتفائها . كأنه قال مثلا : إذا وجد النصاب الذي هو سبب وجوب الزكاة ، والحول الذي هو شرطه ، فاعلموا أني قد أوجبت عليكم أداء الزكاة ، وإن وجد الدين الذي هو مانع من وجوبها ، أو انتفى السوم الذي هو شرط لوجوبها في السائمة . فاعلموا
[ ص: 135 ] أني لم أوجب عليكم الزكاة .
وكذا الكلام في القصاص والسرقة والزنا وغيرها ، بالنظر إلى وجود أسبابها وشروطها ، وانتفاء موانعها وعكسه . انتهى .
والفرق بين خطاب الوضع وخطاب التكليف من حيث الحقيقة : أن الحكم في خطاب الوضع هو قضاء الشرع على الوصف بكونه سببا أو شرطا أو مانعا ، وخطاب التكليف : لطلب أداء ما تقرر بالأسباب والشروط والموانع . وأما الفرق بينهما من حيث الحكم : أن خطاب التكليف يشترط فيه علم المكلف وقدرته على الفعل وكونه من كسبه ، كالصلاة والصوم والحج ونحوها ، على ما سبق في شروط التكليف . وأما خطاب الوضع : فلا يشترط فيه شيء من ذلك إلا ما استثني .
أما عدم اشتراط العلم : فكالنائم يتلف شيئا حال نومه ، والرامي إلى صيد في ظلمة أو من وراء حائل ، فيقتل إنسانا ، فإنهما يضمنان وإن لم يعلما ، وكالمرأة تحل بعقد وليها عليها ، وتحرم بطلاق زوجها ، وإن كانت غائبة لا تعلم ذلك . وأما عدم اشتراط القدرة والكسب : فكالدابة تتلف شيئا ، والصبي أو البالغ يقتل خطأ ، فيضمن صاحب الدابة والعاقلة ، وإن لم يكن القتل والإتلاف مقدورا ولا مكتسبا لهم ، وطلاق المكره عند من يوقعه ، وهو غير مقدور له بمطلق الإكراه أو مع الإلجاء . وإلى ذلك أشير بقوله