( فصل الاستصحاب ) مبتدأ ( وهو ) أي الاستصحاب ( التمسك بدليل عقلي ، أو ) بدليل ( شرعي لم يظهر عنه ناقل مطلقا : دليل ) خبر الاستصحاب وكون الاستصحاب دليلا : هو الصحيح وحقيقة
استصحاب الحال : التمسك بدليل عقلي تارة يكون بحكم دليل العقل ، كاستصحاب حال البراءة الأصلية ، فإن العقل دليل على براءتها وعدم توجه الحكم إلى المكلف ، وتارة يكون الاستصحاب بحكم الدليل الشرعي ، كاستصحاب حكم العموم والإجماع إلى أن يظهر دليل ناقل عن حكم الدليل المستصحب فيجب المصير إليه كالبينة الدالة على شغل الذمة ، وتخصيص العموم ونحو ذلك .
والمعنى : إذا كان حكما موجودا وهو يحتمل أن يتغير ، فالأصل بقاؤه ونفي ما يغيره ومنه
استصحاب العدم الأصلي ، وهو الذي عرف بالعقل انتفاؤه ، وأن العدم الأصلي باق على حاله كالأصل : عدم وجوب صلاة سادسة ، وصوم شهر غير رمضان فلما لم يرد السمع بذلك حكم العقل بانتفائه لعدم المثبت له ، ومنه استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه ، لوجود سببه ، كالملك عند حصول السبب وشغل الذمة عن قرض أو إتلاف . فهذا - وإن لم يكن حكما أصليا - فهو حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه ، جميعا ، ولولا أن الشرع دل على دوامه إلى أن يوجد السبب المزيل والمبرئ لما زال استصحابه . وقيل : ليس الاستصحاب بدليل ، وقيل : يشترط في كونه دليلا أن لا يعارضه ظاهر ، لكن متى قدم الظاهر على الأصل كان تقديمه لمرجح من خارج ينضم إليه ( وليس استصحاب حكم الإجماع في محل الخلاف حجة ) عند الأكثر وخالف جمع في ذلك .
ووجه اختيار الأكثر : أنه يؤدي إلى التكافؤ في الأدلة ; لأنه ما من أحد يستصحب
[ ص: 591 ] حالة الإجماع في موضع الخلاف إلا ولخصمه أن يستصحب حالة الإجماع في مقابله . مثاله : لو قال المستدل في مسألة التيمم قيل : أجمعوا على أن رؤية الماء في غير الصلاة تبطل تيممه ، فكذا في الصلاة قيل : أجمعوا على صحة تحريمته فمن أبطله لزمه الدليل . وجوابه : بمنع التكافؤ ، وإن تعارضا . واحتج له أيضا بالقياس على قول الشارع ، وأجاب بما معناه : أنه لا يجوز استصحاب حكم الدليل في الحالة الثانية ، إلا أن يتناولها الدليل .