صفحة جزء
( وطريق معرفة اللغة ) قسمان ، أحدهما : ( النقل ) فقط ( تواترا فيما لا يقبل تشكيكا ) كالسماء والأرض والجبال . ونحوها ولغات القرآن ( وآحادا في غيره ) أي غير ما لا يقبل تشكيكا . وهو أكثر اللغة . فيتمسك به في المسائل الظنية دون القطعية ( و ) القسم الثاني : ( المركب منه ) أي : من النقل ( ومن العقل ) وهو استنباط العقل من النقل . مثاله : كون الجمع المعرف بأل للعموم ، فإنه مستفاد من مقدمتين نقليتين حكم العقل بواسطتهما . إحداهما : أن يدخله الاستثناء .

والثانية : أن الاستثناء إخراج بعض ما تناوله اللفظ . فحكم العقل عند وجود هاتين المقدمتين بأنه للعموم ، ولا اعتبار بما يخالف ذلك ممن يقول : إذا كانت المقدمتان نقليتين كانت النتيجة أيضا نقلية . وإنما العقل تفطن لنتيجتها ; لأنا نقول : ليس هذا الدليل مركبا من نقليتين ، لعدم تكرر الحد الأوسط فيهما . وإنما هو مركب من مقدمة نقلية . وهي الاستثناء ، وهو إخراج بعض ما تناوله اللفظ ، ومقدمة عقلية لازمة لمقدمة أخرى نقلية . وهي أن كل ما دخله الاستثناء عام ; لأنه لو لم يكن عاما لم يدخل الاستثناء فيه ، ثم جعلت هذه القضية كبرى للمقدمة الأخرى النقلية فصار صورة الدليل هكذا : الجمع المحلى بأل يدخله الاستثناء ، وكل ما يدخله الاستثناء عام ينتج : أن المحلى [ ص: 92 ] بأل علم ( وزيد ) طريق ثالث لمعرفة اللغة ( و ) هو ( القرائن ) قال ابن جني في الخصائص : من قال : إن اللغة لا تعرف إلا نقلا . فقد أخطأ ، فإنها تعرف بالقرائن أيضا . فإن الرجل إذا سمع قول الشاعر :

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا

علم أن " زرافات " بمعنى جماعات . انتهى . ( والأدلة النقلية قد تفيد اليقين ) فتفيد القطع بالمراد قال في شرح التحرير : وهذا الصحيح الذي عليه أئمة السلف وغيرهم . وقد حكى العلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال أحدها : أنها تفيده مطلقا .

والثاني : لا تفيده مطلقا قالوا : لتوقف اليقين على أمور لا طريق إلى القطع بها .

والثالث : أنها قد تفيد إذا انضم إليها تواتر أو غيره من القرائن الحالية ، ولا عبرة بالاحتمال . فإنه إذا لم ينشأ عن دليل لم يعتبر ، وإلا لم يوثق بمحسوس . قاله الشيخ تقي الدين ( و ) عند السلف ( لا يعارض القرآن غيره بحال ) . ( وحدث ما قيل أمور قطعية عقلية تخالف القرآن ) فائدة . قال ابن قاضي الجبل ، يقال : ما المعنى بالدليل اللفظي : هل هو الظواهر مع النصوص ، أو الظواهر بمفردها ؟ ويقال أيضا : الرسول صلى الله عليه وسلم بين مراده فيما جاء به ، ولنا ألفاظ نقطع بمدلولها بمفردها . وتارة بانضمام قرائن أو شهادة العادات ثم نمنع معارضة الدليل العقلي القطعي للدليل الشرعي .

وقولهم : الموقوف على المظنون مظنون باطل ، لأن الموقوف على المقدمات الظنية قد يكون قطعيا ، بل الموقوف على الشك قد يكون قطعيا ، فضلا عن الظن .

ويعرف بوجوه أحدها : الأحكام الشرعية قطعية . الثاني : أن الشك في الركعات يوجب الإتيان بركعة أخرى . فيقطع بالوجوب عند الشك ، وكذا لو شككنا في عين الحلال ، كاشتباه ميتة بمذكاة ، وأجنبية بأخته . الثالث : إقامة البينة عند الحاكم وانتفاء الريب يقطع بوجوب الحكم ، حتى لو جحد وجوبه كفر ففي هذه الصورة : القطع متوقف على غير قطعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية