الفصل الثاني : في بيان الاستقراء والتمثيل
الفصل الثاني : في بيان رجوع الاستقراء والتمثيل إلى ما ذكرناه أما
الاستقراء فهو عبارة عن تصفح أمور جزئية لنحكم بحكمها على أمر يشمل تلك الجزئيات ، كقولنا في الوتر : ليس بفرض ; لأنه يؤدى على الراحلة والفرض لا يؤدى على الراحلة . فيقال : لم قلتم إن الفرض لا يؤدى على الراحلة ؟ فيقال : عرفناه بالاستقراء إذ رأينا القضاء والأداء والمنذور وسائر أصناف الفرائض لا تؤدى على الراحلة ، فقلنا : إن كل فرض لا يؤدى على الراحلة .
ووجه دلالة هذا لا يتم إلا بالنظم الأول بأن يقول : كل فرض فإما قضاء أو أداء أو نذر وكل قضاء وأداء ونذر فلا يؤدى على الراحلة ، فكل فرض لا يؤدى على الراحلة " وهذا مختل يصلح للظنيات دون القطعيات ، والخلل تحت قوله " إما أداء " فإن حكمه بأن كل أداء لا يؤدى على الراحلة يمنعه الخصم إذ الوتر عنده أداء واجب ويؤدى على الراحلة ، وإنما يسلم الخصم من أداء الصلوات الخمس وهذه صلاة سادسة عنده فيقول : وهل استقريت حكم الوتر في تصفحك وكيف وجدته ؟ فإن قلت وجدته لا يؤدى على الراحلة فالخصم لا يسلم ، فإن لم تتصفحه فلم يبن لك إلا الأداء ، فخرجت المقدمة الثانية عن أن تكون عامة وصارت خاصة ، وذلك لا ينتج لأنا بينا أن المقدمة الثانية في النظم الأول ينبغي أن تكون عامة ، ولهذا غلط من قال : إن صانع العالم جسم ; لأنه قال كل فاعل جسم وصانع العالم فاعل فهو إذا جسم " ، فقيل : لم قلت إن كل فاعل جسم ؟ فيقول : لأني تصفحت الفاعلين من خياط وبناء وإسكاف وحجام وحداد وغيرهم فوجدتهم أجساما فيقال : وهل تصفحت صانع العالم أم لا ؟ فإن لم تتصفحه فقد تصفحت البعض دون الكل فوجدت بعض الفاعلين جسما فصارت المقدمة الثانية خاصة لا تنتج ، وإن تصفحت الباري فكيف وجدته ؟ فإن قلت وجدته جسما فهو محل النزاع ، فكيف أدخلته في المقدمة ؟ فثبت بهذا أن الاستقراء إن كان تاما رجع إلى النظم الأول وصلح للقطعيات ، وإن لم يكن تاما لم يصلح إلا للفقهيات لأنه مهما وجد الأكثر على نمط ، غلب على الظن أن الآخر كذلك .