فهذه الحيل وأمثالها لا يستريب مسلم في أنها من كبائر الإثم وأقبح المحرمات ، وهي من التلاعب بدين الله ، واتخاذ آياته هزوا ، وهي حرام من جهتها في نفسها لكونها كذبا وزورا ، وحرام من جهة المقصود بها ، وهو إبطال حق وإثبات باطل ; فهذه ثلاثة أقسام :
[
الحيل المحرمة على ثلاثة أنواع ]
أحدها : أن
تكون الحيلة محرمة ويقصد بها المحرم .
الثاني : أن
تكون مباحة في نفسها ويقصد بها المحرم ; فيصير حراما تحريم الوسائل كالسفر لقطع الطريق وقتل النفس المعصومة .
[ ص: 260 ] وهذان القسمان تكون الحيلة فيهما موضوعة للمقصود الباطل المحرم ، ومفضية إليه ، كما هي موضوعة للمقصود الصحيح الجائز ومفضية إليه ; فإن السفر طريق صالح لهذا وهذا .
الثالث : أن
تكون الطريق لم توضع للإفضاء إلى المحرم ، وإنما وضعت مفضية إلى المشروع كالإقرار والبيع والنكاح والهبة ونحو ذلك ، فيتخذها المتحيل سلما وطريقا إلى الحرام ، وهذا معترك الكلام في هذا الباب ، وهو الذي قصدنا الكلام فيه بالقصد الأول .
[ نوع رابع من الحيل ينقسم إلى ثلاثة أقسام يقصد بها أخذ حق ]
القسم الرابع : أن
يقصد بالحيلة أخذ حق أو دفع باطل ، وهذا القسم ينقسم إلى ثلاثة أقسام أيضا :
أحدها : أن
يكون الطريق محرما في نفسه ، وإن كان المقصود به حقا ، مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده ، ولا يبينه له ، فيقيم صاحبه شاهدي زور يشهدان به ، ولا يعلمان ثبوت ذلك الحق ، ومثل أن
يطلق الرجل امرأته ثلاثا ، ويجحد الطلاق ، ولا يبينه لها ، فتقيم شاهدين يشهدان أنه طلقها ، ولم يسمعا الطلاق منه ، ومثل أن
يكون له على رجل دين ، وله عنده وديعة ، فيجحد الوديعة ، فيجحد هو الدين ، أو بالعكس ، ويحلف ما له عندي حق ، أو ما أودعني شيئا ، وإن كان يجيز هذا من يجيز مسألة الظفر .
ومثل أن
تدعي عليه المرأة كسوة أو نفقة ماضية كذبا وباطلا ، فينكر أن تكون مكنته من نفسها أو سلمت نفسها إليه ، أو يقيم شاهدي زور أنها كانت ناشزا ; فلا نفقة لها ولا كسوة ، ومثل أن
يقتل رجل وليه فيقيم شاهدي زور ولم يشهدا القتل فيشهدا أنه قتله ، ومثل أن
يموت موروثه فيقيم شاهدي زور أنه مات وأنه وارثه ، وهما لا يعلمان ذلك ، ونظائره ممن
له حق لا شاهد له به فيقيم شاهدي زور يشهدان له به ; فهذا يأثم على الوسيلة دون المقصود ، وفي مثل هذا جاء الحديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=729أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك } .