[
ما يختلف فيه الرواية والشهادة ] وأما ما يختلفان فيه من الأحكام فكثير : أحدها :
عدم اشتراط الحرية في الرواية بخلاف الشهادة . وثانيها : أن
التزكية في الشهادة لا تكون إلا باثنين ، ويكتفى في التعديل في الرواية بواحد . وثالثها :
عدم اشتراط العدد في الرواية بخلاف الشهادة . ورابعها :
اشتراط البصر ، وعدم القرابة والعداوة في الشهادة ، دون الرواية وقد قبلت الصحابة خبر
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - كرم الله وجهه - في
الخوارج وغيرهم . وخامسها :
من كذب ثم تاب ، قبلت شهادته ، ومن كذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تاب لم يقبل حديثه بعد ذلك عند المحدثين ووافقهم
nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي ،
وابن القطان ،
والقفال ،
والماوردي ،
والروياني وغيرهم ، وهو الصحيح ، خلافا
للنووي كما سبق . وسادسها : أن الراوي إذا كذب في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ردت جميع أحاديثه السالفة ، ووجب نقض ما عمل به منها ، وإن لم ينقض الحكم
[ ص: 373 ] بشهادة من حدث فسقه ; لأن الحديث حجة لازمة لجميع الناس ، وفي جميع الأمصار ، فكان حكمه أغلظ . قاله
الماوردي في " الحاوي " . سابعها :
تجوز الرواية بما يعود نفعه على الراوي ولا يجوز ذلك في الشهادة ، لاشتراك الناس في السنن والروايات . قاله
الماوردي ،
والروياني ،
وابن السمعاني في القواطع " ،
وإمام الحرمين في البرهان " ،
وابن القشيري في أصوله ، ونقلا ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فإنهما قالا : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي :
لو روى عدل خبرا في أثناء خصومة ، وكان فحواه حجة على الخصم ، فالرواية مقبولة ، ولا يجعل للتهمة موضعا ، وكذا الرواية الجارة للنفع والدفع ، بخلاف الشهادة ، هذا لفظه .
ومثله خبر الراوي لنفسه نفعا راجحا لم يستحضر
القرافي في فروعه فيها نقلا ، وحكى
الرافعي قبل باب الصيال أن
العبد لو روى خبرا يقتضي إعتاقه ، لم يقبل ، أو إعتاق من اجتمع فيه كذا وكذا وكانت فيه قيل ; لأنه ضمن لا قصدا وهذا أحسن . ثامنها :
إذا حدث العدل بحديث رجع عنه لغلط وجده في أصل كتابه ، أو حفظ عاد إليه ، قبل منه رجوعه ، وكذا الزيادة باللفظ . قاله
الصيرفي . قال : وهذا بخلاف الشهادة يحكم بها
القاضي ، ثم يرجع الشاهد ; لأنه يثبت حقوقا للآدميين لا تزول بالرجوع ومضى الحكم بها ، والمخبر بها يدخل في جملة المخبرين وإنما هو مستدعى يؤدي ما استدعى ، وليس يطعن على المحدث إلا قوله : تعمدت الكذب ، فهو كاذب في الأول ، ولا يقبل خبره بعد ذلك . تاسعها : أن
إنكار الأصل رواية الفرع ، لا يضر الحديث ، بخلاف الشهادة كما سبق . عاشرها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فيما نقله
ابن القشيري : لا يعول على شهادة
[ ص: 374 ] الفرع مع إمكان السماع من الأصل ، ويجوز اعتماد رواية الفرع من غير مراجعة شيخه مع الإمكان ، وهذا مجمع عليه ، وقال
الإمام في النهاية " : لا تقبل
شهادة الفرع مع حضور الأصل ، ولا خلاف أن رواية الراوي مقبولة ، وشيخه في البلد . قال : وكل ما لم يثبت فيه توقيف شرعي تعبدي غير الشهادة فيه عن الرواية ، فلا يعد في وجه الراوي التسوية بينهما . انتهى .
حادي عشرها :
لو أشكلت الحادثة على القاضي ، فروى له خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، وقتل به القاضي رجلا ، ثم رجع الراوي ، وقال : تعمدت الكذب ، لا يجب القصاص ، بخلاف الشاهد إذا رجع ، فإن الشهادة تتعلق بالحادثة ، والخبر لا يختص بها . قاله
القفال في فتاويه ، لكن في فتاوى
البغوي وجوب القصاص كالشاهد ، وهو أحوط . ثاني عشرها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم " والرسالة " : أقبل في الحديث حدثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلسا ، ولا أقبل في الشهادة إلا سمعت ، أو رأيت ، أو أشهدني . ثالث عشرها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا : إذا اختلفت الأحاديث أخذت ببعضها استدلالا بكتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ، بخلاف الشهادة فلا يؤخذ ببعضها بحال . رابع عشرها : قال أيضا : يكون بشر كلهم تجوز شهادتهم ، ولا أقبل حديثهم من قبل ما يدخل في الحديث من كثرة الإحالة ، وإزالة بعض ألفاظ المعاني ، هذا لفظه .
وقال في موضع آخر من الأم " :
لا يقبل الحديث إلا من ثقة عالم حافظ بما يحيل معنى الحديث ، بخلاف الشهادة . قال : ولهذا احتطت في
[ ص: 375 ] الحديث أكثر مما احتطت به في الشهادات . وإنما أقبل شهادة من لا أقبل حديثه لكبر أمر الحديث ، وموقعه من المسلمين ; ولأن اللفظ قد يترك من الحديث ، فيختل معناه ، فإذا كان الحامل للحديث يجهل المعنى لم يقبل حديثه ، هذا لفظه . ثم قال : وكل ما لم يكن حكم فاختلاف اللفظ فيه لا يحيل معناه ، واختلفوا علي في اللفظ ، فقلت لبعضهم ذلك ، فقال : لا بأس به ما لم يخل معنى ، ذكره في الأم " في باب التشهد في الصلاة ، وقال : إنما صرت لاختيار تشهد
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس دون غيره ، لما رأيته واسعا ، وسمعته عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس صحيحا ، كان عندي أجمع ، وأكثر لفظا من غيره ، فأخذت به . انتهى .
خامس عشرها :
تجوز الرواية بالمعنى بشرطه السابق ، بخلاف الشهادة ، وقد قال
الماوردي : إذا أقر الراهن والمرتهن عند شاهدين ، فعليهما أن يؤديا ما سمعاه مشروحا ، فلو شهدا أنه رهن بألفين ، فإن لم يكونا من أهل الاجتهاد لم يجز ، وكذا إن كانا من أهله على الأصح ; لأن الشاهد ناقل ، والاجتهاد إلى الحاكم ، وقال
ابن أبي الدم :
لو قال الشاهد : أشهد أن هذا يستحق في ذمة هذا درهما . هل تسمع هذه الشهادة ؟ فيه ثلاثة أوجه ، المذهب أنها تسمع ، ويعمل بها . والثاني : لا ; لأن هذه من وظيفة الحاكم . والثالث :
إن كان الشاهد متمذهبا بمذهب القاضي سمعت ، وإلا فلا ،
ولو شهد واحد بأنه قال له : زنيت ، وآخر أنه قال له : يا زاني ، لم يثبت القذف . كما لو شهد كل واحد بقذف بلغه .
حكاه في الكفاية " في باب الإقرار عن
الماوردي .
[ ص: 376 ] قال : ويوافقه قول
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبي الطيب : أنه
لو شهد واحد أنه قال : قد وكلتك في كذا ، وآخر أنه قال له : أذنت لك في التصرف ، لم تثبت الوكالة ; لأنهما ضدان ،
ولو شهد واحد على المدعي باستيفاء الدين ، وآخر بالإبراء منه ، فالمذهب في الإقرار من
الرافعي وغيره ، لا تلفيق ، ولو شهد الثاني أنه برئ إليه منه ، قال
العبادي : تلفق ; لأن إضافتها إلى الديون عبارة عن الإيفاء ، وقيل بخلافه .
قلت : لكن
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك في كتابه سوى بينهما ، فقال : لا فرق ; لأن الشهادات يكتفى فيها بالمعنى دون اللفظ . سادس عشرها :
يشترط في توبة الشاهد مضي مدة الاستبراء ، بخلاف الرواية ،
ولو حد بعض شهود الزنا لنقص النصاب ، لم تقبل شهادتهم ، حتى يتوبوا ، وفي قبول روايتهم قبل التوبة وجهان في " الحاوي " . قال : الأشهر القبول ، والأقيس المنع كالشهادة .
سابع عشرها : له أن يروي على الخط المحفوظ عنده ، بخلاف الشهادة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الرسالة " :
يجب أن يكون المحدث حافظا لكتابه إن حدث به من كتابه . قال
القاضي في التقريب " : وهو يدل على أنه يسوغ له أن يحدث من كتابه بما يحفظ ، وإن لم يعلم سماعه للحديث ممن سمعه ; لأجل إفتائهم من علم سماعه للحديث ممن سمعه منه ، فإنه لا يعتبر بحفظه بما سمعه ، وأنه يجوز له أن يحدث به ، وإن لم يحفظه إمامه لحفظه مقام علمه بسماع الحديث ممن حدث عنه .
قال : وخالفه الجمهور من أصحابه وأصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ، فقالوا : لا يجوز ذلك ، ولا يجب العمل ممن هذا حاله . قال : وهذا هو الحق كالشهادة سواء ، وسبقت المسألة في القراءة على الشيخ . ثامن عشرها : عكس ما قبله ، لو تحقق من علم سماع ذلك الخبر ،
[ ص: 377 ] لكن اسمه غير مكتوب عليه ، لم يجوز المحدثون روايته ، ويجوز عن طريق الفقه كالشهادة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي الحسين في فتاويه " .
وقال في التي قبلها : لو رأى اسمه مكتوبا في خبر بخط ثقة ، ويعلم أنه أدرك المسموع منه ، ولا يذكر سماعه منه ، جوز له المحدثون روايته كالإجازة ، ولا يجوز من طريق الفقه ما لم يتذكر سماعه . تاسع عشرها : أن
الأخبار إذا تعارضت ، وأمكن الجمع صرنا إليه ، وإلا قدم أحدهما لمرجح ، وأما في الشهادات المتعارضة ، فالمذهب التساقط ، وإن أمكن الجمع . العشرون : عند
الرواية في الرواية ترجح بكثرة الجمع ، بخلاف الشهادة ، على خلاف فيه يأتي في التراجيح . الحادي والعشرون : يمتنع
أخذ الأجرة على أداء الشهادة ; لأنها فرض عليه ، وفي أخذ الأجرة على التحديث خلاف ، وأفتى الشيخ
أبو إسحاق فيما حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح بجواز أخذها لمن ينقطع عن الكسب .