التفرقة بين الفاسد والباطل
واعلم أن أصحابنا فرقوا بين الفاسد والباطل في مواضع :
أولها ، وثانيها : الخلع والكتابة ، فالباطل منهما ما كان على غير عوض مقصود كالميتة ، أو رجع إلى خلل في العاقد كالصغر والسفه ، والفاسد خلافه ، وحكم الباطل أن لا يترتب عليه مال ، والفاسد يترتب عليه العتق والطلاق ، ويرجع الزوج بالمهر والسيد بالقيمة .
[ ص: 27 ]
وثالثها : الحج يبطل بالردة ويفسد بالجماع . وحكم الباطل أنه لا يجب قضاؤه ولا يمضي بخلاف الفاسد . هذا حكم ما يطرأ ، وأما الفاسد ابتداء ، فيتصور فيما إذا
أحرم بالعمرة ثم جامع ، ثم أدخل عليها الحج ، فالأصح أنه ينعقد فاسدا ، وقيل : صحيحا ، وقيل : لا ينعقد . قاله في الروضة في باب الإحرام وأما إذا
أحرم مجامعا فينعقد فاسدا أيضا على الأصح .
قاله
الرافعي في باب المواقيت ، وصحح
النووي في باب محرمات الإحرام عدم الانعقاد .
ورابعها : العارية وقد صورها
الغزالي في الوسيط " فإنه حكى في صحة
إعارة الدراهم والدنانير خلافا ، ثم قال فإن أبطلناها ففي طريق أهل
العراق أنها مضمونة ، لأنها إعارة فاسدة ، وفي طريق المراوزة أنها غير مضمونة لأنها غير قابلة للإعارة فهي باطلة كذا حصرها جماعة في هذه الأربعة ، وهو ممنوع بل يجري ذلك في سائر العقود .
ومن صورة الإجارة الفاسدة وتجب فيها أجرة المثل .
أما إذا
استأجر مثلا صبي رجلا بالغا فعمل عملا لم يستحق شيئا ، لأنه الذي فوت على نفسه عمله وتكون باطلة .
ومنها : لو
قال للمديون : اعزل قدر حقي ، فعزله ، ثم قال : قارضتك عليه لم يصح ، لأنه لم يملكه بالعزل ، فإذا تصرف المأمور فإن اشترى بالعين فهو ملك له ، وإن
اشترى في الذمة للقراض ونقده فيه وجهان :
أحدهما : الشراء للقراض ويكون قراضا فاسدا وله الأجرة والربح لبيت المال .
[ ص: 28 ]
والثاني : لا يكون قراضا لا فاسدا ولا صحيحا بل هو باطل .
ومنها : لو
قال : بعتك ولم يذكر ثمنا وسلم ، وتلفت العين في يد المشتري هل عليه قيمتها ؟ وجهان أحدهما : نعم ، لأنه بيع فاسد ، والثاني : لا ، لأنه ليس مبيعا فيكون أمانة .
ومنها : لو
نكح بلا ولي فهو فاسد يوجب مهر المثل لا الحد ، ولو
نكح السفيه بلا إذن فباطل لا يترتب عليه شيء .
وقال
الإمام أبو الحسن السبكي : عندي .
أن أصحابنا لم يوافقوا الحنفية في هذا التفريق أصلا ، لأن الحنفية يثبتون بيعا فاسدا يترتب عليه مع القبض أحكام شرعية ، ونحن لا نقول ذلك ، وإنما العقود لها صور لغة وعرفا من عاقد ومعقود عليه وصيغة ، ولها شروط شرعية فإن وجدت كلها فهو الصحيح ، وإن فقد العاقد أو المعقود عليه أو الصيغة أو ما يقوم مقامها فلا عقد أصلا ، ولا يحنث به إذا حلف لا يبيع ونسميه بيعا باطلا مجازا ، وإن وجدت وقارنها مفسد من عدم شرط ونحوه ، فهو فاسد ، وعندنا هو باطل خلافا لهم .
ووافقونا على البطلان إذا كان الفساد لصفة المعقود عليه كبيع الملاقيح . ونحن لا نرتب على الفاسد شيئا من الأحكام الشريعة ، لأنه غير مشروع لكن لنا قاعدة ، وهي إذا كان للفعل عموم وبطل الخصوص قد لا يعمل العموم .
فالمسائل التي رتب الأصحاب عليها حكما من العقود الفاسدة هي من هذا القبيل . ا هـ .